الأحد، 26 أبريل 2015

الشيخ عبد القادر الجيلاني

الشيخ عبد القادر الجيلاني
(470 هـ - 561 هـ)




عبد القادر الجيلاني ،يعرف بـ "سلطان الأولياء"، وهو من كبار علماء الدين ، عارفٌ صوفي ، وفقيه حنبلي ، ومتكلمٌ أشعري ، لقبه أتباعه بـ"باز الله الاشهب" و "تاج العارفين" و"محيي الدين" و"قطب بغداد" ، وإليه تنتسب الطريقة القادرية الصوفية .

مولده ونشأته :

ولد في 11 ربيع الثاني ، من سنة 470 هـجري قمري ، الموافق لـ 1077 ميلادي ،في منطقة جيلان (ڤيلان) الموجودة في محافظة جيلان (ڤيلان) ،الكائنة في شمال إيران ،في جنوب محافظة جيلان توجد أجزاء من سلسلة جبال البرز تفصل المحافظة عن محافظة قزوين ، ويحدها من الشمال بحر قزوين ،وجمهورية أذربيجان ،ومن الغرب محافظة أردبيل ، ومن الشرق محافظة مازندران ،ومن الجنوب محافظتي قزوين وزنجان ، تتكون محافظة جيلان (ڤيلان) من 16 مركز ويوجد بها 48 مدينة وبلدة و109 قرية ، وقد نشأ عبد القادر ڤيلاني في أسرة كريمة وصفها أرباب السير والتراجم ، بالصلاح ، فقد كان والده أبو صالح موسى معروفا بالزهد والورع والتقوى ،وكان شعاره مجاهدة النفس وتزكيتها بالأعمال الصالحة ولذا كان لقبه "محب الجهاد".

أسرته :

هو : أبو محمد عبد القادر ، بن موسى ،بن عبدالله ،بن يحيى ،بن محمد ،بن داود ،بن موسى ،بن عبد الله ،بن موسى ،بن عبد الله ،بن الحسن ،بن الحسن ،بن علي بن أبي طالب ،بن عبد المطلب ،بن هاشم ،بن عبد مناف ،بن قصي ،بن كلاب ،بن مرة ،بن كعب ،بن لؤي ، بن غالب ، بن فهر ، بن مالك ، بن قريش ، بن كنانة ، بن خزيمة ، بن مدركة ، بن إلياس ، بن مضر ، بن نزار ، بن معد ،بن عدنان.

أنجب عبد القادر عدداً كبيراً من الأولاد، وقد عنى بتربيتهم وتهذيبهم على يديه واشتهر منهم عشرة:

عبد الوهاب: 

وكان في طليعة أولاده، والذي درس بمدرسة والده في حياته نيابة عنه، وبعد والده وعظ وأفتى ودرس، وكان حسن الكلام في مسائل الخلاف فصيحاً ذا دعابة وكياسة، ومروءة وسخاء، وقد جعله الإمام الناصر لدين الله على المظالم فكان يوصل حوائج الناس اليه، وقد توفي سنة 573 هـجري قمري ، ودفن في رباط والده في الحلبة.

عيسى:


 الذي وعظ وأفتى وصنف مصنفات منها كتاب "جواهر الأسرار ، ولطائف الأنوار" في علم الصوفية، قدم مصر ودرس فيها ووعظ وتخرج على يديه من أهلها غير قليل من الفقهاء، وتوفي فيها سنة 573 هـجري قمري .


عبد العزيز: 


وكان عالماً متواضعاً، وعظ ودرّس، وخرج على يديه كثير من العلماء، وكان قد غزا الصليبين في عسقلان وزار مدينة القدس ورحل جبال الحيال وتوفي فيها سنة 602 هـجري قمري ، وقبره في مدينة "عقرة" من أقضية لواء الموصل في العراق.

عبد الجبار:


 تفقه على والده وسمع منه وكان ذا كتابة حسنة، سلك سبيل الصوفية، ودفن برباط .

الشيخ عبد الرزاق: 


وكان حافظا متقنا حسن المعرفة بالحديث فقيها على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ورعا منقطعاً في منزله عن الناس، لايخرج إلا في الجمعات، توفي سنة 603 هـجري قمري ، ودفن بباب الحرب في بغداد.

إبراهيم: 


تفقه على والده وسمع منه ورحل إلى واسط في العراق، وتوفي بها سنة 592 هـجري قمري.

يحيى: 


وكان فقيها محدثا انتفع الناس به، ورحل إلى مصر ثم عاد إلى بغداد وتوفي فيها سنة 600 هـجري قمري، ودفن برباط .

موسى:


 تفقه على والده وسمع منه ورحل إلى دمشق وحدّث فيها واستوطنها، ثم رحل إلى مصر وعاد إلى دمشق وتوفي فيها وهو آخر من مات من أولاده.

صالح :


 وبه يكنى في أغلب البلدان وذكرته أغلب المصادر المتخصصة في سيرته وهو مدفون قرب والده في بغداد .

سفره إلى بغداد :


كان عبد القادر الجيلاني قد نال قسطاً من علوم الشريعة في صغره على أيدي شيوخ من أسرته، ولمتابعة دراسته للعلوم الدينية ، انتقل إلى بغداد ودخلها سنة 488 هـجري قمري ، الموافق لـ 1095ميلادي ، وعمره ثمانية عشر عاماً ،وفي عهد الخليفة العباسي المستظهر بالله. وبعد أن استقر في بغداد انتسب إلى مدرسة الشيخ أبو سعيد المخرمي ،التي كانت تقع في حارة باب الأزج، في أقصى الشرق من جانب الرصافة ، وتسمى الآن محلة باب الشيخ.

وكان العهد الذي قدم فيه الشيخ الجيلاني إلى بغداد تسوده الفوضى التي عمت كافة أنحاء الدولة العباسية، حيث كان الصليبيون يهاجمون ثغور الشام، وقد تمكنوا من الاستيلاء على أنطاكية وبيت المقدس وقتلوا فيهما خلقا كثيرا من المسلمين ونهبوا أموالاً كثيرة ، وكان السلطان التركي "بركياروق" قد زحف بجيش كبير يقصد بغداد ليرغم الخليفة على عزل وزيره "ابن جهير" فاستنجد الخليفة بالسلطان السلجوقي "محمد بن ملكشاه" ودارت بين السلطانين التركي والسلجوقي معارك عديدة كانت الحرب فيها سجالا، وكلما انتصر احدهما على الآخر كانت خطبة يوم الجمعة تعقد باسمه بعد اسم الخليفة.

وكانت فرقة الباطنية قد نشطت في مؤامراتها السرية واستطاعت أن تقضي على عدد كبير من أمراء المسلمين وقادتهم فجهز السلطان السلجوقي جيشاً كبيراً سار به إلى إيران فحاصر قلعة "أصفهان" التي كانت مقراً لفرقة الباطنية وبعد حصار شديد استسلم أهل القلعة فاستولى عليها السلطان وقتل من فيها من المتمردين، وكان "صدقة بن مزيد" من أمراء بني مزيد من قبيلة بني أسد قد خرج بجيش من العرب والأكراد يريد الاستيلاء على بغداد فتصدى له السلطان السلجوقي بجيش كبير من السلاجقة فتغلب عليه ، وكان المجرمون وغيرهم من العاطلين والأشقياء ينتهزون فرصة انشغال السلاطين بالقتال فيعبثون بالأمن في المدن يقتلون الناس ويسلبون أموالهم فإذا عاد السلاطين من القتال انشغلوا بتأديب المجرمين.

وفي غمرة هذه الفوضى كان الشيخ عبد القادر يطلب العلم في بغداد، وتفقه على مجموعة من شيوخ الحنابلة ومن بينهم الشيخ أبوسعيد المُخَرِمي، فبرع في المذهب والخلاف والأصول وقرأ الأدب وسمع الحديث على كبار المحدثين. وقد أمضى ثلاثين عاما يدرس فيها العلوم الدينية أصولها وفروعها .

جلوسه للوعظ والتدريس :


عقد الشيخ أبو سعيد المُخَرِمي لتلميذه عبد القادر مجالس الوعظ في مدرسته بباب الأزج في بداية 521 هـجري قمري ، فصار يعظ فيها ثلاثة أيام من كل أسبوع، بكرة الأحد وبكرة الجمعة وعشية الثلاثاء. واستطاع الشيخ عبد القادر بالموعظة الحسنة أن يرد كثيراً من الحكام الظالمين عن ظلمهم وأن يرد كثيراً من الضالين عن ضلالتهم، حيث كان الوزراء والأمراء والأعيان يحضرون مجالسه، وكانت عامة الناس أشد تأثراً بوعظه، فقد تاب على يديه أكثر من مائة ألف من قطاع الطرق وأهل الشقاوة، وأسلم على يديه ما يزيد على خمسة الآف من اليهود والمسيحيين ، وبحسب بعض المؤرخين، فإن الجيلاني ألتقى و تأثر بالغزالي حتى أنه ألف كتابه "الغنية" على نمط كتاب "إحياء علوم الدين" . وكان الشيخ عبد القادر يسيطر على قلوب المستمعين إلى وعظه حتى أنه استغرق مرة في كلامه وهو على كرسي الوعظ فانحلت طية من عمامته وهو لا يدري فألقى الحاضرون عمائهم وطواقيهم تقليداً له وهم لايشعرون .

وبعد أن توفي أبو سعيد المبارك المخزومي فوضت مدرسته إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني ،فجلس فيها للتدريس والفتوى، وجعل طلاب العلم يقبلون على مدرسته إقبالا عظيما حتى ضاقت بهم فأضيف إليها من ما جاورها من المنازل والأمكنة ما يزيد على مثلها وبذل الأغنياء أموالهم في عمارتهم وعمل الفقراء فيها بأنفسهم حتى تم بناؤها سنة 528 هـجري قمري ، الموافق لـ 1133ميلادي . وصارت منسوبة إليه.

وكان الشيخ عبد القادر الجيلاني ،عالما متبصرا يتكلم في ثلاثة عشر علماً من علوم اللغة ،والشريعة ،والعقيدة ، حيث كان الطلاب يقرأون عليه في مدرسته دروسا من التفسير والحديث والمذهب والخلاف والاصول واللغة، وكان يقرأ القرآن بالقراءات وكان يفتي على مذهب الامام الشافعي ،والامام أحمد بن حنبل ،وهناك روية تقول أنه أفتى على مذهب الامام أبو حنيفة النعمان .

مؤلفاته :


صنف عبد القادر الجيلاني مصنفات كثيرة في الأصول والفروع وفي أهل الأحوال والحقائق ،والتصوف،والعرفان ، منها ما هو مطبوع ومنها مخطوط ومنها مصوّر، منها:

*إغاثة العارفين وغاية منى الواصلين.
*أوراد الجيلاني.
*آداب السلوك والتوصل إلى منازل السلوك.
*تحفة المتقين وسبيل العارفين.
*جلاء الخاطر في الباطن والظاهر.
*حزب الرجاء والانتهاء.
*الحزب الكبير.
*دعاء البسملة.
*الرسالة الغوثية: موجود منها نسخة في مكتبة الأوقاف ببغداد.
*رسالة في الأسماء العظيمة للطريق إلى الله.
*الغُنية لطالبي طريق الحق: وهو من أشهر كتبه في الأخلاق والآداب الإسلامية وهو جزءان.
*الفتح الرباني والفيض الرحماني: وهو من كتبه المشهورة وهو عبارة عن مجالس للشيوخ في الوعظ والإرشاد.
*فتوح الغيب: وهو عبارة عن مقالات للشيخ في العقائدوالإرشاد ويتألف من 78 مقالة.
الفيوضات الربانية: وهكذا الكتاب ليس له ولكنة يحتوي الكثير من أوراده وأدعيته وأحزابه.
*معراج لطيف المعاني.
*يواقيت الحكم.
*سر الأسرار في التصوف: وهو كتاب معروف وتوجد نسخة منه في المكتبة القادرية ببغداد وفي مكتبة جامعة إسطنبول.
*الطريق إلى الله: كتاب عن الخلوة والبيعة والأسماء السبعة.
*رسائل الشيخ عبد القادر: 15 رسالة مترجمة للفارسية يوجد نسخة في مكتبة جامعة إسطنبول .
*المواهب الرحمانية: ذكره صاحب روضات الجنات.
*حزب عبد القادر الجيلاني: مخطوط توجد نسخة منه في مكتبة الأوقاف ببغداد.
*تنبيه الغبي إلى رؤية النبي : نسخة مخطوطة بمكتبة الفاتيكان بروما.
*وصايا الشيخ عبد القادر : موجود في مكتبة فيض الله مراد تحت رقم 251.
*بهجة الأسرار ومعدن الأنوار في مناقب الباز الأشهب : مواعظ للشيخ جمعها نور الدين أبو الحسن علي بن يوسف اللخمي الشطنوفي.
*تفسير الجيلاني: في مكتبة رشيد كرامي في طرابلس الشام ويقول عفيف الدين الجيلاني أنه مطبوع في تركيا.
*الدلائل القادرية.
*الحديقة المصطفوية: مطبوعة بالفارسية والأردية.
*المحجة البيضاء.
*عمدة الصالحين في ترجمة غنية الصالحين.
*بشائر الخيرات.
*ورد الشيخ عبد القادر الجيلاني.
*المختصر في علم الدين.
*مجموعة خطب.



قال العلماء عنه :

قال الذهبي :

 الشيخ عبد القادر الشيخ الامام العالم الزاهد العارف القدوة، شيخ الإسلام، علم الأولياء، محيي الدين، أبو محمد، عبد القادر بن أبي صالح عبد الله ابن جنكي دوست الجيلي الحنبلي، شيخ بغداد.

قال أبو أسعد عبد الكريم السمعاني: 

هو إمام الحنابلة وشيخهم في عصره فقيه صالح، كثير الذكر دائم الفكر, وهو شديد الخشية, مجاب الدعوة، أقرب الناس للحق، ولا يرد سائلا ولو بأحد ثوبيه.

قال الإمام ابن حجر العسقلاني الكناني :

 كان الشيخ عبد القادر متمسكاً بقوانين الشريعة, يدعو إليها وينفر عن مخالفتها ويشغل الناس فيها مع تمسكه بالعبادة والمجاهدة ومزج ذلك بمخالطة الشاغل عنها غالبا كالأزواج والأولاد, ومن كان هذا سبيله كان أكمل من غيره لأنها صفة صاحب الشريعة صلى الله علية وسلم.


وفاته :

توفي الإمام الجيلاني ليلة السبت 10 ربيع الثاني سنة 561 هـجري قمري ،جهزه وصلي عليه ولده عبد الوهاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه، ثم دفن في رواق مدرسته، ولم يفتح باب المدرسة حتى علا النهار وهرع الناس للصلاة على قبره وزيارته، وبلغ تسعين سنة من عمره .




هناك تعليق واحد: