الزاوية معانيها ، ووظائفها
الزاوية
لغة ، لفظ مؤخوذ من الإنزواء بقصد العكوف على العبادة أو على تلقي العلم، بعيدا عن
دنيا الناس ،و مشاغلهم اليومية ، وهي أيضا رباط المجاهد في سبيل الله ،و حافظ
الثغور ، يطلق على بناء ،أو مجموعة أبنية ذات طابع ديني ، و هي تشبه المدرسة ،في
تخطيطها ،و أجزائها ،ووظائفها التعليمية ، و قد ذكر دوماس ،Daumas) ) عام 1947
في كتابه تعريفا للزاوية حيث قال : ( إن الزاوية هي على الجملة مدرسة دينية و دار
مجانية للضيافة ) ، أنظر : ليفي
بروفنسال : ( الزوايا ) ، دائرة المعارف الإسلامية ، أحمد
الشنتاوي و آخرين ، المجلد 10 ، القاهرة 1933 ، ص 332 .
الزاوية ، في الأصل مدرسة ،و مقر استرشاد ،و ملجأ أمان ، بيد
أن هذه الوظائف و بقدر ما كانت تعبر عن أدوار محددة ،بقدر ما كانت تخفي في طياتها أسرار
تطور الزاوية ،و تفعلها مع المجتمع ،و السلطة ،على حد سواء ، خلقت الزوايا أدبا رفيعا
،و شعرا صادقا ،و قامت ولازالت قائمة بتربية المريدين على الفضيلة و عدم نكران الذات
، و سماحة الخلق ، فكانوا يجتمعون في زوايا الأحياء و المداشر يتحابون في الله ،و يذكرون
،و يتذاكرون ،و يعلمون ، ويتعلمون ، و البعض منهم يصطحب أولاده الصغار فيرثون عن آبائهم
حب الزاوية ،فيشبون في ظلالها و يتأدبون بآدابها .
تمثل الزاوية مؤسسة دينية ،و اجتماعية
،و علمية ،تبلورت أنشطتها ، وخصوصياتها ،منذ اسقرار الإسلام ،الى الآن ، وتعد مدرسة
تعليمية ،ومركزاً للتربية الصوفية السنية ، ومعهدا لتزكية النفس و تطهيرها ، وملجأ
لتربية الأيتام ،وبيت مال ، لتربية الفقراء والمساكين ،وتعليمهم ،و منزل لاستقبال عابري
السبيل ،ومركز لحل مشاكل الناس ،و لذلك كان الشيوخ و قادة المتصوفين ،يتنافسون في بناء
الزوايا ،و تشييدها لأجل أداء و ظيفتها الإجتماعية ،من إيواء الغرباء و إطعامهم ،و
أداء الواجبات الدينية ،من الصلاة وزكاة وصدقة ،و ذكر ،وتلاوة القرآن ،و تعليم ،و تعلم
،و غير ذلك .
إن الدعائم الأساسية لقيام الزاوية
،لم تخرج عن ضرورات الحياة الفعلية ، فالزاوية ظلت منذ ظهورها ،مركزا لإطعام
الطعام في أوقات حاجة ،و المجاعة ،و القحط ،أو حتى عند الخصاصة العادية ، لذا أضحى
الإطعام ،ملازما لها ،و ميزة عامة لحياة روادها ،و سلوكا صوفيا يحتذي به المريد
بعد شيخه ، حتى بلغ الأمر درجة اعتبر فيها الإطعام ،رمزا لكرامة صاحبها ، تمنحه
سلطة رمزية ،بسبب كثرة المستفيدين منه ،و قلة المتوفرة من الطعام ، خصوصا في عند
النقص في الإنتاج ،و توالي الأزمات ، حولت هذه الوضعية ، الزاوية ، الى مؤسسة
اجتماعية لرعاية المحتاج ،و عابر السبيل ، فكان من ضروريات هذه الوظيفة ،أن تكون
لها أملاك خاصة بها ، أو محبوسة عليها ،تستثمرها للوفاء بهذه الإلتزامات ،و لتغطية
الخدمات المجانية ،لتتوسع في الحصول على الزكاة و الصدقات و الهبات و الزيارات .
لم تقتصر الزاوية ،في تشكيل
مؤسستها ، على هذه الوظيفة ، بل ثمة وظائف أخرى ساهمت بدورها ،في تقوية رصيدها
الرمزي ، فالزاوية هي في الأصل مركز للتربية والتعليم ،و الوعظ والإرشاد ،والسير
والسلوك ، و قبلها كانت أداة للدفاع عن الملة ،والدين ، ضد كل أشكال الإنحراف الفكري
،والديني ،والثقافي ، وباعتبار الزاوية شكلا متطورا للرباط ، فقد تحولت من العملية
التعليمية البسيطة ،إلى ممارسة تعليمية ، محكمة ،وفق شروط أكثر وضوح ، فقد تمكنت
الزاوية وبفضل قراءات شيوخها ،وأبحاثهم ،و مقرراتهم ،و موادها التعليمية ، المدروسة
، من تقديم مواد دقيقة للتحصيل ،ومن بناء شخصيات علمائية لهم قدم في الكثير من
الفنون ، كما استقبت طلبة العلم ،موفرة لهم شروط التعلم ،و الإقامة ، بل أصبحت هذه
الشروط ،من وظائفها الأساسية ،التي تحصلت بسببها ،على كل ما يلزم لبقاء دورها
العلمي ، والمعرفي ، والعرفاني مستمرا.
لقد حرص الشيوخ المقدمين للتربية
الصوفية ،و التعليم الديني ،على تطوير أدائهم ،و بلورة هذا الأداء ،في صورة تلقين ،مجسد
لشخصيتهم الصوفية ،القائمة على سمات البركة ، و هي القناة الخفية ،لما يمكن
اعتباره الكمال في الوظيفة التعليمية ،التي يفيض عطاؤها على المريد المتعلم ،الآخذ
من علم شيخه ، أخذ الضمآن المتعطش ،و المرتوي من بحار علم الشيخ الواسعة ، فشيخ
الزاوية ،وهو معلم أول ،هو صاحب علم ،و سر ، علم الطريقة و السير والسلوك، وقدوة
في العمل ،و مقصد المريد ، يحمل في شخصه ،النموذج
الصالح ،لحياة الناس ،و كراماته ،و مناقبه ،دليل على رغبته ،في الصلاح و الإصلاح ،
إصلاح الناس ،في أمور العلم ،و الدين ،وولايته قدوة في السير و السلوك ، و هكذا
تصبح الوظيفة التعليمية ، مزدوجة الأداء ، تفقيه الناس ،في أمور الدين ،و تقديم
الإصلاح ، لذلك يصعب التمييز بين سمات الصلاح ،و الولاية ،و الأداء التعليمي ،و
السلوكي .
من الوظائف الأساسية التي اضطلعت
بها الزاوية ،وظيفة التحكيم ، و التي لم تكن أقل أهمية ، من باقي الوظائف السالفة
، بل لعل أكثرها حساسية ،و أفيدها لسلطة الزاوية ، فقد مكنت سمات المرابط ،ووضعه
الاعتباري ،من جعله وسيطا مقبولا ،و حكما ،ترتضي لوساطته كل الأطراف ، بل كان عامل
وفاق ،وفصل ،في كل ما كان ينشأ ،من نزاعات ،أو خلافات ،قبلية ، و تقوم وظيفة
التحكيم ،على مبدأ المسالمة ، الذي ميز نشاط الولي ،و قناعة المتنازعين ،في
الاعتراف له بهذه الصفة ، و هي الصفة التي منحته ،قدرا كبيرا من الجرأة ،التي رأى
فيها كثيرا نوعا من المكاشفة ،في أمور الدنيا ، و هو ما يزكي في الغالب رأيه ،و
يجعل كل الأطراف تقبل و ترضى بأحكامه ، لم ينحصر دور الشيخ التحكيمي على الدوام في
الأمور السياسية ، وقضاياها ، أو في النزاعات الضيقة ، بل شمل كذلك ،أمور العلم ،
والمعرفة ،و الشريعة ، والقضاء …
--------------------------------------------------------------------
- - منشورات مخبر البحوث و الدراسات في حضارة المغرب الإسلامي / جامعة
منتوري قسنطينة / المغرب الأوسط في العصر الوسيط من خلال كتب النوازل /
السلطة الحفصية و أوقاف الأشراف / قراءة في ظهير لصالح زاوية قجال بسطيف /
مؤرخ سنة 888 ه / 1483 م/ جامعة باجي مختار عنابة
- - دراسات أساتذة التاريخ , جامعة فرحات عباس سطيف
- - دراسات أساتذة التاريخ , جامعة منتوري قسنطينة
- - دراسات أساتذة التاريخ , جامعة باجي المختار عنابة
الزاوية ، في الأصل مدرسة ،و مقر استرشاد ،و ملجأ أمان ، بيد أن هذه الوظائف و بقدر ما كانت تعبر عن أدوار محددة ،بقدر ما كانت تخفي في طياتها أسرار تطور الزاوية ،و تفعلها مع المجتمع ،و السلطة ،على حد سواء ، خلقت الزوايا أدبا رفيعا ،و شعرا صادقا ،و قامت ولازالت قائمة بتربية المريدين على الفضيلة و عدم نكران الذات ، و سماحة الخلق ، فكانوا يجتمعون في زوايا الأحياء و المداشر يتحابون في الله ،و يذكرون ،و يتذاكرون ،و يعلمون ، ويتعلمون ، و البعض منهم يصطحب أولاده الصغار فيرثون عن آبائهم حب الزاوية ،فيشبون في ظلالها و يتأدبون بآدابها .
--------------------------------------------------------------------
- - منشورات مخبر البحوث و الدراسات في حضارة المغرب الإسلامي / جامعة منتوري قسنطينة / المغرب الأوسط في العصر الوسيط من خلال كتب النوازل / السلطة الحفصية و أوقاف الأشراف / قراءة في ظهير لصالح زاوية قجال بسطيف / مؤرخ سنة 888 ه / 1483 م/ جامعة باجي مختار عنابة
- - دراسات أساتذة التاريخ , جامعة فرحات عباس سطيف
- - دراسات أساتذة التاريخ , جامعة منتوري قسنطينة
- - دراسات أساتذة التاريخ , جامعة باجي المختار عنابة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق