الأحد، 26 أبريل 2015

الزاوية معانيها ، ووظائفها


  الزاوية معانيها ، ووظائفها

 

الزاوية لغة ، لفظ مؤخوذ من الإنزواء بقصد العكوف على العبادة أو على تلقي العلم، بعيدا عن دنيا الناس ،و مشاغلهم اليومية ، وهي أيضا رباط المجاهد في سبيل الله ،و حافظ الثغور ، يطلق على بناء ،أو مجموعة أبنية ذات طابع ديني ، و هي تشبه المدرسة ،في تخطيطها ،و أجزائها ،ووظائفها التعليمية ، و قد ذكر دوماس ،Daumas) ) عام 1947 في كتابه تعريفا للزاوية حيث قال : ( إن الزاوية هي على الجملة مدرسة دينية و دار مجانية للضيافة ) ، أنظر :  ليفي بروفنسال : ( الزوايا ) ، دائرة المعارف الإسلامية ،  أحمد الشنتاوي و آخرين ، المجلد 10 ، القاهرة 1933 ، ص 332 .


الزاوية ،  في الأصل مدرسة ،و مقر استرشاد ،و ملجأ أمان ، بيد أن هذه الوظائف و بقدر ما كانت تعبر عن أدوار محددة ،بقدر ما كانت تخفي في طياتها أسرار تطور الزاوية ،و تفعلها مع المجتمع ،و السلطة ،على حد سواء ، خلقت الزوايا أدبا رفيعا ،و شعرا صادقا ،و قامت ولازالت قائمة بتربية المريدين على الفضيلة و عدم نكران الذات ، و سماحة الخلق ، فكانوا يجتمعون في زوايا الأحياء و المداشر يتحابون في الله ،و يذكرون ،و يتذاكرون ،و يعلمون ، ويتعلمون ، و البعض منهم يصطحب أولاده الصغار فيرثون عن آبائهم حب الزاوية ،فيشبون في ظلالها و يتأدبون بآدابها . 

تمثل الزاوية مؤسسة دينية ،و اجتماعية ،و علمية ،تبلورت أنشطتها ، وخصوصياتها ،منذ اسقرار الإسلام ،الى الآن ، وتعد مدرسة تعليمية ،ومركزاً للتربية الصوفية السنية ، ومعهدا لتزكية النفس و تطهيرها ، وملجأ لتربية الأيتام ،وبيت مال ، لتربية الفقراء والمساكين ،وتعليمهم ،و منزل لاستقبال عابري السبيل ،ومركز لحل مشاكل الناس ،و لذلك كان الشيوخ و قادة المتصوفين ،يتنافسون في بناء الزوايا ،و تشييدها لأجل أداء و ظيفتها الإجتماعية ،من إيواء الغرباء و إطعامهم ،و أداء الواجبات الدينية ،من الصلاة وزكاة وصدقة ،و ذكر ،وتلاوة القرآن ،و تعليم ،و تعلم ،و غير ذلك .

إن الدعائم الأساسية لقيام الزاوية ،لم تخرج عن ضرورات الحياة الفعلية ، فالزاوية ظلت منذ ظهورها ،مركزا لإطعام الطعام في أوقات حاجة ،و المجاعة ،و القحط ،أو حتى عند الخصاصة العادية ، لذا أضحى الإطعام ،ملازما لها ،و ميزة عامة لحياة روادها ،و سلوكا صوفيا يحتذي به المريد بعد شيخه ، حتى بلغ الأمر درجة اعتبر فيها الإطعام ،رمزا لكرامة صاحبها ، تمنحه سلطة رمزية ،بسبب كثرة المستفيدين منه ،و قلة المتوفرة من الطعام ، خصوصا في عند النقص في الإنتاج ،و توالي الأزمات ، حولت هذه الوضعية ، الزاوية ، الى مؤسسة اجتماعية لرعاية المحتاج ،و عابر السبيل ، فكان من ضروريات هذه الوظيفة ،أن تكون لها أملاك خاصة بها ، أو محبوسة عليها ،تستثمرها للوفاء بهذه الإلتزامات ،و لتغطية الخدمات المجانية ،لتتوسع في الحصول على الزكاة و الصدقات و الهبات و الزيارات .

لم تقتصر الزاوية ،في تشكيل مؤسستها ، على هذه الوظيفة ، بل ثمة وظائف أخرى ساهمت بدورها ،في تقوية رصيدها الرمزي ، فالزاوية هي في الأصل مركز للتربية والتعليم ،و الوعظ والإرشاد ،والسير والسلوك ، و قبلها كانت أداة للدفاع عن الملة ،والدين ، ضد كل أشكال الإنحراف الفكري ،والديني ،والثقافي ، وباعتبار الزاوية شكلا متطورا للرباط ، فقد تحولت من العملية التعليمية البسيطة ،إلى ممارسة تعليمية ، محكمة ،وفق شروط أكثر وضوح ، فقد تمكنت الزاوية وبفضل قراءات شيوخها ،وأبحاثهم ،و مقرراتهم ،و موادها التعليمية ، المدروسة ، من تقديم مواد دقيقة للتحصيل ،ومن بناء شخصيات علمائية لهم قدم في الكثير من الفنون ، كما استقبت طلبة العلم ،موفرة لهم شروط التعلم ،و الإقامة ، بل أصبحت هذه الشروط ،من وظائفها الأساسية ،التي تحصلت بسببها ،على كل ما يلزم لبقاء دورها العلمي ، والمعرفي ، والعرفاني مستمرا.

لقد حرص الشيوخ المقدمين للتربية الصوفية ،و التعليم الديني ،على تطوير أدائهم ،و بلورة هذا الأداء ،في صورة تلقين ،مجسد لشخصيتهم الصوفية ،القائمة على سمات البركة ، و هي القناة الخفية ،لما يمكن اعتباره الكمال في الوظيفة التعليمية ،التي يفيض عطاؤها على المريد المتعلم ،الآخذ من علم شيخه ، أخذ الضمآن المتعطش ،و المرتوي من بحار علم الشيخ الواسعة ، فشيخ الزاوية ،وهو معلم أول ،هو صاحب علم ،و سر ، علم الطريقة و السير والسلوك، وقدوة في العمل ،و مقصد المريد ، يحمل في شخصه  ،النموذج الصالح ،لحياة الناس ،و كراماته ،و مناقبه ،دليل على رغبته ،في الصلاح و الإصلاح ، إصلاح الناس ،في أمور العلم ،و الدين ،وولايته قدوة في السير و السلوك ، و هكذا تصبح الوظيفة التعليمية ، مزدوجة الأداء ، تفقيه الناس ،في أمور الدين ،و تقديم الإصلاح ، لذلك يصعب التمييز بين سمات الصلاح ،و الولاية ،و الأداء التعليمي ،و السلوكي .

من الوظائف الأساسية التي اضطلعت بها الزاوية ،وظيفة التحكيم ، و التي لم تكن أقل أهمية ، من باقي الوظائف السالفة ، بل لعل أكثرها حساسية ،و أفيدها لسلطة الزاوية ، فقد مكنت سمات المرابط ،ووضعه الاعتباري ،من جعله وسيطا مقبولا ،و حكما ،ترتضي لوساطته كل الأطراف ، بل كان عامل وفاق ،وفصل ،في كل ما كان ينشأ ،من نزاعات ،أو خلافات ،قبلية ، و تقوم وظيفة التحكيم ،على مبدأ المسالمة ، الذي ميز نشاط الولي ،و قناعة المتنازعين ،في الاعتراف له بهذه الصفة ، و هي الصفة التي منحته ،قدرا كبيرا من الجرأة ،التي رأى فيها كثيرا نوعا من المكاشفة ،في أمور الدنيا ، و هو ما يزكي في الغالب رأيه ،و يجعل كل الأطراف تقبل و ترضى بأحكامه ، لم ينحصر دور الشيخ التحكيمي على الدوام في الأمور السياسية ، وقضاياها ، أو في النزاعات الضيقة ، بل شمل كذلك ،أمور العلم ، والمعرفة ،و الشريعة ، والقضاء 


--------------------------------------------------------------------
  • - منشورات مخبر البحوث و الدراسات في حضارة المغرب الإسلامي / جامعة منتوري قسنطينة / المغرب الأوسط في العصر الوسيط من خلال كتب النوازل / السلطة الحفصية و أوقاف الأشراف / قراءة في ظهير لصالح زاوية قجال بسطيف / مؤرخ سنة 888 ه / 1483 م/ جامعة باجي مختار عنابة
  • - دراسات أساتذة التاريخ , جامعة فرحات عباس سطيف
  • - دراسات أساتذة التاريخ , جامعة منتوري قسنطينة
  • - دراسات أساتذة التاريخ , جامعة باجي المختار عنابة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق