جامع ڤجال
(زاوية قجال)
ڤجال ,سطيف ,الجزائر
توجد بلدية ڤجال ،بدائرة ڤجال ،ولاية سطيف ،بالجزائر ، تحدها شمالا بلدية سطيف ، وبلدية أولاد صابر ،وجنوبا بلدية بئر حدادة ،وبلدية عين لحجر ،وشرقا بلدية بازر سكرة ،وغربا بلدية مزلوق ،وبلدية ڤلال ،وهي من أهم بلديات ولاية سطيف ، الجزائرية ، بعد كل من سطيف والعلمة وبئر العرش من حيث النشاط الإقتصادي ،كما تعد مركزا دينياً وثقافياً كبير ،تعداد السكاني حوالي 33.685 نسمة (احصاء سنة 2008) .
التعريف بمنطقة ڤجال وزاويتها العتيقة :
مما لاشك فيه أن منطقة ڤجال بزاويتها العتيدة هي إحدى المعالم التاريخية لمنطقة سطيف ، إن لم نقل لمنطقة الشرق الجزائري والدليل على ذلك أن أقدم وثيقة بين أيدينا تشهد أن زاوية بن حمادوش التي كانت تسمى زاوية ڤجال لها أكثر من تسعة قرون بالتاريخ الهجري هذه الوثيقة تحدد القرن الخامس الهجري كتاريخ لتخصيص السيد محمد الكبير(أحدأحفاد سيدي مسعود )بأراضي محبوسة عليه من قبل سلاطين المحروسة الجزائر،وتذكر أنه خصص زاويته ببعض الأراضي . أما الوثيقة الثانية فمؤرخة في أواسط ذي القعدة عام ثمانية وثمانين وثمانمائة هجرية(888 هـ/ 1483م). ووثيقة ثالثة يعود تاريخها إلى شهر شوال سنة ( 931هـ/1524 م ) أما الوثيقة الرابعة فهي أوضح من الوثائق السابقة ومؤرخة في ( 1230 هـ / 1815 م) وتحدد الأراضي الفلاحية الموقوفة على الزاوية . ونظرا لهذا التاريخ الممتد في أغوار الزمن فإن منطقة ڤجال بزاويتها وكل المنطقة المحيطة بها تستحق أن يهتم بتاريخها مؤرخ متخصص يقرأ وثائقها ويبحث عن آثارها ويجمع روايات الشيوخ والنساء وحكايات الجدات وأمثالهم السائرة وأهازيجهم وأشعارهم في الأفراح والأتراح والمناسبات المختلفة ويتفحص عادات الناس فيها ليعيد قراءة تاريخ هذه المنطقة وبعث روح الحياة الكامنة في أعماق نفوس أهلها التي تكن لڤجال كل الحب والتقدير والتقديس أحيانا .ولعل ذلك يكشف التاريخ الحقيقي لنشأة مقبرة ڤجال وشخصية سيدي مسعود وسر اغتيال أحفاده (سبع رقود) كما يمكن كشف سر القول المأثور:" ڤجال ما يخلى والعلم ما يخطيه " والقول المعارض له :" ڤجال مايعمر والذل مايخطيه" . أما هذه الأوراق فهي أدنى من أن نسميها كتاب تاريخ ، وإنما هي محاولة لتسجيل بعض ما تم جمعه من معلومات موثقة أو روايات شفوية حول منطقة قجال وزاويتها والمراحل التاريخية التي مرت بها،وبعض الشيوخ الذين علموا أو تعلموا بها والعلماء الذين تشرفت بزيارتهم والقيمين الذين قاموا بتسيير أوقافها ...... لقد تبين لي من خلال محاولة البحث عن كل ما يتعلق بزاوية ڤجال أن أغلب تراثها المدون من وثائق ومخطوطات وعقود وكتب سيرة وأنساب قد ضاع جله بسبب الإهمال وانعدام الصيانة ، وبعضه تمت إعارته ولم يرجع ،وبعضه سرق خاصة ما يتلعق منه بالسير والأنساب . وما بقي توزع بين الإخوة والأحفاد . وآخرفصول هذه المواقف التي أقل مايقال فيها أنها غيرأمينة ولا مسؤولة هو نشر ماتوفر من وثائق الزاوية وعائلة حمادوش بطريقة عشوائية في العديد من مواقع الأنترنيت لقد جمعت ما أمكنني جمعه من الوثائق وعددها لايتجاوز العشرة وحاولت في الفصل الأول أن أسجل من خلال قراءتها ما يمكن أن أسميه تعريفا بمنطقة ڤجال، وأهم المراحل التاريخية التي مرت بها. وفي الفصل الثاني محاولة للتعرف على التأسيس الأول للزاوية ومراحل تجديدها والطريقة المتبعة في التربية والتعليم فيها. وفي الفصل الثالث ترجمات مقتضة لبعض شيوخ الزاوية وعلمائها ومعلميها. وفي الأخير أُؤكد على ملاحظتين: الأولى أنني لا أبحث من وراء هذا العمل المتواضع مجدا شخصيا أوعائليا يخص عائلتي كديدن البعض الذين ماإن سمعوا بأمر الزاوية حتى تحركت فيهم نوازع البحث عن أمجاد وهمية. ففي اعتقادي الراسخ أن زمن اعتبارالأمجاد العائلية أوالعشائرية أو الشخصية امتيازا يعطي أصحابه أولوية في تبوإ مراكز القيادة والمسؤولية قد ولى نهائيا لأن الزمن زمن الشعوب ، زمن الفرد المواطن مهما كانت مكانته أو مقامه الاجتماعي أو نسبه العائلي؛ فالاعتبار بما يقدم الفرد من إبداعات ومساهمات للمؤسسة،مهما كانت هذه المؤسسة دينية - كزاوية ڤجال - أومؤسسة اجتماعية أو سياسية التي تخدم الجميع، فلا اعتبار للنسب أو الشرعية التاريخية أو الثورية إلا بقدرالعطاء الذي يقدمه الشخص، في القرآن " فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون "** سورة المؤمنون الآية 101. و مـن قول الإمام زين العابدين عليه السلام " إن الله تعالى خلق الجنة لمن أطاع ولو كان عبدا حبشيا . وخلق النار لمن عصى ولو كان سيدا قرشيا ". ولا يعني هذا أبدا أنني أنفي استمرار البركة والصلاح والعلم في عقب الأنبياء والصالحين خاصة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أكد استمرارالبركة والولاية في نسبه إلى يوم القيامة . والملاحظة الثانية : أنني حاولت تقديم ما أمكن من ترجمات عن شيوخ ورجال انتقلوا إلى رحمة الله بعد أن قدموا خدمات جليلة للزاوية سواء كان ذلك في العهد الاستعماري أو بعد الاستقلال ومازال الأمل معقودا على تقديم ترجمات لشيوخ ورجال آخرين متى سنحت الفرصة وتوفرت المعلومات الكافية .
منطقة ڤجــــــــــــال
مقبرة سيدي مسعود القجالي الحسني (رضي الله عنه) :
كان ومازال أهم معلم لمنطقة قجال هو مقام الولي الصالح سيدي مسعود- طيب الله ثراه - الذي ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب . ويرتبط ذكر سيدي مسعود بالقبور السبعة أو السبع الرقود - كما يسميهم المواطنون- الذين مازالت قبورهم ذات الشواهد المرتفعة معروفة عند جميع السكان، وقد اختلفت الروايات حول هذه القبور السبعة التي يمكن إجمالها في ثلاث روايات: الرواية الأولى تشبههم بحال أصحاب الكهف تقول أن هؤلاء السبع الرقود هم سبعة إخوة جاءوا من المغرب في زمن سيدي مسعود وناموا ليلتهم بڤجال فلما أصبح الصباح وجدوا في حالة نوم أبدي فدفنوا في قبورهم التي مازالت شاهدة عليهم. أما الرواية الثانية – وهي الأكثر تداولا بين أفراد العائلة -وهم سبعة إخوة من أحفاد سيدي مسعود قتلوا بالسم مع أختهم ......من طرف أعداء لهم أرادوا التخلص منهم والرواية الثالثة أنهم سبعة إخوة استشهدوا معا في معركة من معارك الجهاد. ولكن هذه الرواية لا تحدد تاريخا ولا مكانا لهذه المعركة . نسب سيدي مسعود: كما سبقت الإشارة فإن سيدي مسعود هو من ذرية الحسن المجتبى بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما. حيث تؤكد الوثائق الخاصة بسلسلة نسب عائلة حمادوش أن سيدي مسعود هو الحفيد الثاني عشر في ذرية الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما. كان سيدي مسعود معاصرا لعبيد الله المهدي مؤسس الدولة الفاطمية ( 297هـ /909م ) واستوطن ڤجال قادما إليها من فاس ، ولا ندري لماذا وقع اختياره على قرية ڤجال ؟ أ لأنها موقع من مواقع جيوش الفتح الإسلامي كما تشير بعض الروايات الشفوية ؟ أو لأنها دار الهجرة وبيت الحكمة لرواد الدعاة الفاطميين ؟ أو لدعوة جاءته من أهل ڤجال الذين كان شأنهم شأن أكثر أهل المغرب العربي الكبير (المغرب الإسلامي) المعروفين بتعلقهم الشديد بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين فر الكثير منهم من بطش العباسيين إلى أقاصي بلاد الإسلام مشرقها ومغربها . وكان أهل المغرب العربي أكثر الشعوب الإسلامية تبركا وحماية لهم فصهروهم وبوؤوهم من السيادة والولاية والرئاسة ما لم يجدوه في المشرق العربي . ويروي الأجداد وكبار السن عن قدوم سيدي مسعود أنه استقبل استقبال الأمل والرجاء من طرف سكان ڤجال عند مشتة لخلف حيث أمر حرسه المرافق له بالتوقف عند الفيض الذي أخذ منذ ذلك اليوم اسم ( فياض الحرس )
- ڤجال منارة للإشعاع الديني والثقافي :
منذ قدوم سيدي مسعود المبارك إلى ڤجال بدأت مرحلة جديدة في مسيرة القرية التاريخية حيث عرفت فيما توالى من الأزمنة بالمسجد والزاوية التابعة له، التي أنشئت لغرض نشر العلوم الإسلامية واللغة العربية وتدريس الفقه المالكي والإصلاح الاجتماعي وقد نص على ذلك مخطوط عليه توقيع أبي بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري الاشبيلي أحد أعلام الفقه المالكي (ولد468 1078/)وتوفي بفاس (543-1148/ ). وتولى الإشراف على الزاوية وإدارة أملاكها الوقفية من الأراضي الفلاحية أحفاد سيدي مسعود من بعده بمراسيم وعقود موقعة من طرف الأمراء والعلماء من أمثال ابن العربي والإمام الجليل أبي يحي زكرياء والإمام المجاهد أبي العباس أحمد وسيدي محمد بن يوسف الصغير، هذا الأخير الذي توفي بڤجال ودفن بمقبرة سيدي مسعود ومازال قبره معروفا إلى اليوم. وحسب ما جاء في عقود الأراضي الفلاحية الموقوفة باسم سيدي مسعود أو أحفاده منذ القرن الخامس الهجري على زاوية ڤجال تمتد من "جبل مڤرس الذي يقع شمال غرب مدينة سطيف إلى ثنية فرماتو( في العقود كتبت فرماة) وتنحدر مع الوادي المتصل بها إلى وادي الشوك ثم تنحدر معه إلى رأس قلال ثم تمضي إلى جهة جبل سيدي يوسف ثم إلى جبل براو شرقا هذه حدودها الغربية والجنوبية أما من جهة الشمال فهي تشمل بلاد بوغنجة وأولاد بوروبة. وتينار و ڤجال . انظر ( الوثيقة 1).
وثيقة تحدد أراضي وقفية :
صورة الوثيقة _ الصورة رقم (1)
- ڤجال مزار العلماء وملتقى الصالحين :
ونعود إلى قرية ڤجال التي سجل التاريخ لها حضورا معنويا كبيرا حيث تشرفت باستقبال علماء أجلاء من أمثال العلامة الشيخ عبد الرحمن الأخضري الذي عاش في القرن العاشر الهجري، فقد ذكر أنه كان يزورها للتدريس والتأليف والتبرك بزيارة مقام سيدي مسعود، وقد كتب له أن يتوفى فيها . ونقل جثمانه الطاهر على أكتاف طلبته إلى قريته " بنطيوس " حيث دفن هناك . ومن العلماء العاملين الذي تشرفت قرية ڤجال المباركة بإقامتهم فيها والتدريس في مسجدها سيدي محمد الصغير بن يوسف الحملاوي. كما تشرفت أيضا بالشيخ أبي القاسم بن السعد الحامي الذي علم بزاوية ڤجال وقد ذكر أنه ترك بمكتبتهاالعديد من المخطوطات لم نجد منها إلا مخطوطا واحدا في شرح الآجرومية، فرغ من إنجازه في نهاية السنة المتممة للقرن الثاني عشر الهجري . ومن الرجال الصالحين نذكر الولي الصالح الشيخ عمر قادري الذي تعلم بڤجال وكان صاحب علم وولاية وكرامات . والإمام محمد الشريف بن علي ـ والعالم الولي الصالح محمد مزيان ـ والعلامة محمد عبد الحفيظ بن سحنون - والشيخ التهامي بن بوسنة – القاضي الخرشي ـ وغيرهم .
- ڤجال موقع حربي :
ويبدو أن قرية ڤجال موعودة بأحداث التاريخ فما من عهد إلا ولها فيه حضور. جاء في سلسلة(revue africaine) حديثا عن معركة كبرى وقعت بين جيش العرب بقيادة أحمد بن الصخري بن أبي عكاز العلوي وبين جيش الترك بقيادة مراد باي, بضواحي قرية ڤجال يوم السبت 12 جمادى الأولى سنة 1048هـ الموافق ل20 سبتمبر1638م. لقد حقق أحمد بن الصخري انتصارا ساحقا على مراد باي الذي فر هاربا إلى الجزائر . فأعلن الصخري عن مكافأة مالية كبيرة لمن أتى برأس مراد باي, ولقد سجلت الذاكرة الشعبية هذه المعركة في صورة مثل يضرب لكل من أتى بأمر مهم يقول المثل (محسوب جاب راس مراد). ومهما كان من أمر هذه المعركة من حيث ثبوتها أو عدم ثبوتها فإن علاقة الحكم العثماني وعساكره الإنكشارية بالشعب الجزائري في ذلك الزمن لم تكن بالعادلة بل كان يسودها كثير من الظلم والاستبداد والجور خاصة خارج الحواضر الكبرى
-أهل ڤجال :
وقد غلب على أهل ڤجال قبل أن تغزوهم السلفية الوهابية التدين الخالص والروحانية الطاهرة التي أشاعها وجود مقام سيدي مسعود طيب الله ثراه. واجتهد أحفاده من بعده في التزا م ذلك النهج القويم, في التدين من غير غلو, والتعبد من غير ابتداع, وكانت الطريقة المتبعة أشعرية المعتقد مالكية المذهب. تستمد روحها من سيرة أهل البيت والصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عنهم . و كان لهذه الطريقة الأثر البالغ في سيرة الشيوخ الذين عرفوا بالزهد الحقيقي الذي لا يقعد بالإنسان عن العمل فكانوا يعتبرون ترك العمل من قبل الزاهد منقصة له في زهده ومذلة له في دنياه كما كانوا أهل تربية وسلوك يفضلون التعليم على التدوين ويرون أن إعداد طالب إعدادا صالحا أولى من تصنيف كتاب أو تحرير رسالة في فن من الفنون ويشارك زاوية ڤجال في هذا النهج , كثير من الزوايا التي كان لها دور أساسي وكبير في قيادة المقاومة الوطنية ضد الوجود الفرنسي في الجزائر في القرن التاسع عشر ، فقد كان شيوخها قادة الثورات ومفجروها، وطلبتها جنود ميادين الوغى وفرسانها. ومن هؤلاء كان الشيخ الطاهر بن حمادوش الذي سيأتي الحديث عنه وعن الزاوية وما تعرضت له من تأميم لأوقافها من طرف الاستعمار الفرنسي .
- شباب ڤجال من طلب العلم إلى طلب الشهادة :
وإذا كنا لا نعرف الكثير عن مشاركة أهل ڤجال في المقاومة الوطنية في القرن التاسع عشر، فإن حضورهم في الحركة الوطنية في النصف الأول من هذا القرن العشرين ، من خلال التنظيمات الحزبية والجمعيات، كان قويا ومكثفا فلا يكاد بيت من بيوت ڤجال بجميع دواويره ومشاتيه يخلو من منتم إلى حزب الأحزاب السياسية أو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. كما سعى الكثير من شباب المنطقة إلى طلب العلم في زاوية ڤجال التي كان يدرس بها العلامة الفقيه الشيخ المختار بن الشيخ ،والشيخ محمد بقاق، والشيخ عبد الحميد حمادوش. أو زاوية بلكتفي التي أنشأها الشيخ الطيب قرقور المكني بلكتفي وكان يدرس فيها بنفسه. ومنهم من ارتحل إلى طلب العلم بالمدارس الحرة بسطيف ،أو مدارس جمعية العلماء بقسنطينة. ومنهم من سافر إلى الخارج لإتمام دراسته بجامع الزيتونة في تونس .أو جامع القرويين في المغرب . لقد كان هؤلاء الشباب من طلبة العلم، هم زينة ڤجال التاريخ وشرف العلم فيها، وهم فخر أهلها . فلما اندلت ثورة 1954الخالدة كان أهل ڤجال في الموعد ، وشاركوا فيها عن بكرة أبيهم . فما خلا بيت من بيوت ڤجال من شهيد أو مجاهد. فرحم الله الشهداء رحمة واسعة ،وأسكنهم فسيح جنان الخلد، وجعل ذكراهم حية في قلوبنا دائما، ورحم الله من مات من المجاهدين ،وأدام عافية من بقي منهم على قيد الحياة.
تأسيس الزاوية:
قيل أن تأسيس زاوية ڤجال كان على عهد سيدي مسعود المعاصر لعبيدي الله المهدي مؤسس الدولة الفاطمية. وفي أوائل القرن السادس الهجري تم تجديدها على يد أبي عبد الله سيدي محمد حفيد سيدي مسعود بعقد موقع من قبل العلامة الفقيه المالكي البارز أبي بكر محمد المعروف بابن العربي الذي عاش بين سنتي ( 543/468 هجرية) و ينص العقد على العقيدة والمذهب المعتمدين في التعليم بالزاوية وهما العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي .
التجـديـد ومراحله :
في الواقع ليس لدينا تاريخ بعدد الفترات التي تم فيها تجديد الزاوية ،لكن يمكن التأكيد على أنها تعرضت للإهمال والهجر لعشرات السنين كما تعرضت للهدم ومصادرة أموالها وأوقافها ونهب مكتباتها ووثائقها وتصفية شيوخها ( اغتيال الشيخ أبي عبد الله محمد بن إدريس . واغتيال الإخوة السبعة حسب رواية عائلية) ( والاعتداء على سيدي محمد الكبير وابن عمته من طرف المدعو الموهوب دغاش الذي تمت إدانته من طرف مجلس العلماء سنة 1192 هجري). لقد عاشت المنطقة فترة اضطرابات وصراعات لا تنقطع بين العروش والعائلات والقبائل و صراع العرب مع الأتراك ( معركة ڤجال بين جيش العرب بقيادة أحمد بن الصخري والجيش التركي التي بقيادة مراد باي التي سبقت الإشارة إليها ).فاضطر شيوخ الزاوية إلى مغادرتها نائين بأنفسهم وعائلاتهم عن الدخول في الصراع القبلي المقيت، ( هجرة الشيخ سيدي أحمد الملقب بسيدي علي أو أحمد بن حمادوش إلى المغرب، وانتقال الشيخ الصديق حمادوش إلى بلاد بوغنجة بأولاد صابر). هذا فضلا عن الفترة الاستعمارية التي تعرضت فيها الزاوية إلى مصادرة أوقافها من الأراضي الفلاحية التي تشهد عليها وثائق الزاوية التي حددت أملاكها باسم بلاد سيدي مسعود قبيل الغزو الاستعماري الفرنسي بعدة سنوات . وعلى هذا يمكن أن نتحدث عن عدة فترات من التجديد الذي خضعت له الزاوية من خلال الوثائق التي تنص على تنصيب الشيوخ باعتبار ذلك استئنافا لأداء دورها التعليمي والإصلاحي وهي كالتالي :
التجديد الأول :
تم في سنة 888 هجري الموافق لسنة 1483 ميلادي بعقد موقع من طرف الإمام العلي المطاع أبي يحيا زكرياء ( من أمراء الدولة الحفصية ) يفوض للشيخ أبي عبد الله محمد بن إدريس بتسيير زاوية ڤجال وأحباسها.
التجديد الثاني :
تم في سنة 931 هجري الموافق لسنة 1524 ميلادي على يدي الشيخ أبي عبد الله محمد بن صالح بعقد موقع من طرف الإمام المجاهد أبي العباس أحمد بن محمد . وقد شهدت زاوية ڤجال في هذه الفترة نهضة علمية شارك فيها الشيخ العلامة الكبير سيدي عبد الرحمن الأخضري كما سيأتي لاحقا .
التجديد الثالث :
تم في سنة 1211 هـ الموافق لسنة 1795 م على يدي سيدي محمد الكبير. وبعد وفاته تولى مشيخة الزاوية المجاهد الشيخ الطاهر بن حمادوش الذي شارك في مقاومة الاستعمار الفرنسي الغاشم سنة 1871 . وتمت معاقبته بمصادرة أراضيه الفلاحية الخاصة .
التجديد الرابع :
وتم على يد الشيخ الصديق بن الشيخ الطاهر بن حمادوش بداية من سنة 1857م ،الذي استطاع أن يستعيد المبادرة ويفتح الزاوية لتحفيظ القرآن الكريم والتعليم الديني ؛ كان الشيخ الصديق بن حمادوش عالما جليلا وصوفيا ربانيا ومعلما ناصحا ، تخرج على يده أكثر من ستين فقيها منهم من فتح زاوية كالشيخ المختار بن الشيخ ، والشيخ الطيب بن الكتفي والشيخ المنور مليزي، والشيخ علي الحامدي ، والشيخ رحماني عبد الرحمن ومنهم من اشتغل قاضيا في محاكم الشريعة الإسلامية، ومنهم من اشتغل مفتيا أو إماما فسدوا بذلك فراغا هائلا في المحاكم الشرعية التي كان الاستعمار يريدها فرنسية خالصة ،وعمروا مساجد كان يريدها خاوية على عروشها .وبهذا سجلت زاوية ڤجال حضورها على مستوى كل من المقاومة المسلحة من خلال الشيخ الطاهر بن حمادوش وحضورا قويا على مستوى الجهاد الثقافي أو الممانعة الثقافية من خلال الشيخ الصديق بن حمادوش .
التجديد الخامس :
وتم على يد الشيخ محمد الصديق بن الطيب حمادوش وإخوته سنة 1936 م ، فاستعادت الزاوية نشاطها العلمي على يدي الشيخ المختار بن الشيخ بين سنتي (1936 م إلى 1944 م) وبعد وفاته استخلفه الشيخ محمد بقاق لأكثر من سنتين (1945 م إلى سنة 1947م ) .
التجديد السادس :
وتم على يد الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش سنة 1950م بعد أن أنهى دراسته بجامعة الزيتونة بتونس وعاد إلى أرض الوطن ، فقام بإصلاحات معتبرة في الزاوية واستأنف التدريس بها لعدد من الطلبة الذين كان وإياهم على موعد مع الثورة المباركة ، فاستشهد منهم من استشهد , ومن بقي منهم رفع تحدي التعليم العربي بعد الاستقلال من خلال مدرسة ڤجال والمدارس الرسمية
التجديد السابع :
وتم بعد الاستقلال أي في صيف سنة1962م حيث انطلقت محاولة أولية للتدريس بالزاوية، قام بها الشيخ القريشي مدني بطلب من الشيخ أبي محمد الصغير ,محمد الصديق بن الطيب حمادوش. وتبعتها محاولة أخرى قام بها الشيخ الحسين مؤمن ولكنها لم تستمر . وفي بداية العام الدراسي/1963) 1964 ) استأنفت الزاوية عملها تحت اسم مدرسة الشهيد عبد الحميد حمادوش بإشراف الشيخ محمد الصديق بن الطيب حمادوش وتسيير الجمعية الدينية برئاسة البشير ڤزوط .وكان من أبرز أساتذتها الشيخ القريشي مدني، والشيخ إسماعيل زروڤ . ومن فلسطين الأساتذة ذيب كنعان ، ويعقوب قرعاوي ، وتيسير محمد سعيد وغيرهم في هذه الفترة أخذت الزاوية صبغة مدرسة حرة أكثر منها زاوية ذات خط وطريقة ومنهج في التربية والتعليم وتوقف التعليم القرآني بها،ولكنها أدت دورا رائدا في تعليم أبناء المنطقة وولاية سطيف فتخرج منها العشرات بل المئات من المعلمين والمدرسين والأساتذة والموظفين وفي سنة 1976 جاء مشروع توحيد التعليم بإلغاء المدارس الحرة والزوايا فتسلمت مديرية التربية مدرسة الشهد عبد الحميد حمادوش التي أصبحت تحمل اسم إكمالية عبد الحميد حمادوش ،وحلت الجمعية وبقيت الزاوية معطلة خالية بلا تعليم قرآني ولا شرعي إلا من الشيخ رابح عيادي الذي ظل محافظا على الآذان وإمامة الناس في الصلاة بدون أجر يذكر حتى توفي رحمه الله .
التجديد الثامن :
في سنة1981لم تكن الظروف تسمح باستئناف الزاوية عملها لانعدام المرافق الضرورية وحاجة الناس إلى رفع اللبس عن الزاوية ورسالتها التعليمية التربوية ودورها الإصلاحي في المجتمع ، حيث وصمت بوصمة الدروشة والخرافة ، وصنف أهلها في عداد الطابور الخامس لخدمة الاستعمار الفرنسي ظلما وعدوانا. فكان لابد من انتظار الوقت المناسب لرفع ما علق بمفهوم الزاوية وإعادة الوعي للناس بهذه المؤسسة التقليدية التي تختزن العمق الثقافي والتاريخي لتراث الأمة وتجربتها الجهادية في الميادين الدينية والتعليمية والاجتماعية والإصلاحية وفي حماية الثغور والدفاع عن الأوطان . ولكن رغم ذلك لم ينتظر أهل الزاوية وتلامذتها القدامى طويلا بل بادروا إلى تكوين جمعية دينية للمسجد .( تولدت فكرة إنشائها ليلة زفاف السيدة زهية إحدى بنات الشيخ عبد الرحمن حمادوش بحضور كل من الأستاذ إبراهيم زروڤ - وصفيح المحفوظ - وكاتب هذه السطور- وعبد الوهاب حمادوش والأستاذ عبد المجيد حمادوش و الشيخ خالد حمادوش - و الشيخ محمد الفاضل حمادوش) وكانت الجمعية تتكون من (الشيخ الزبير حمادوش) - ومن الشيخ القريشي مدني -و الأستاذ محمد غجاتي - والأستاذ المحفوظ صفيح - وسي العربي حافظ – وحمو رحماني – وسي محمد ولد الشيخ الخير فاضلي–وعبد الحميد بوقزولة. وأقيمت أول جمعة بالمسجد كبداية لأحياء هذا المعلم التاريخي العظيم الذي كاد يندرس نهائيا، وهذه المنارة الدينية المشعة بالقرآن والشريعة التي ظلت مستعصية على الفناء وكان إمام الجمعة أحد طلبتها الأوفياء وخطيبها المفوه وأمير البيان بالمنطقة الشيخ القريشي مدني الذي ظل لسنوات يقدم بها دروسا في الفقه واللغة ، لطلبة كان أغلبهم يتكون من معلمين. في هذه الفترة تمت بعض الإصلاحات في الزاوية (مطهرة غرفة للتعليم القرآني ، توسعة في قاعة الصلاة ).كانت هذه التوسعة تمثل ضرورة ملحة لاستيعاب عدد المصلين المتزايد يوما بعد يوم من كل المناطق المحيطة بڤجال الذين كانت تربطهم بالزاوية علاقات روحية ودينية وتاريخية باعتبارها مؤسستهم التعليمية والتربوية وباعتبار شيوخها مراجعهم في الفتوى والإصلاح الاجتماعي . وكان الأمل معقودا على بناء مسجد جديد على قطعة الأرض الواقعة في الساحة الجنوبية للإكمالية ، التي كانت تعتبر ملكا للزاوية بحكم مجاورتها لها وحاجة الزاوية إلى التوسعة ، لكن هذا الأمل صادف ظهور أطماع في استغلال قطعة الأرض للمصالح الشخصية .حيث تم الاستيلاء على أكبر جزء من قطعة الأرض كما هو معروف لدى جميع أهل ڤجال فلا حاجة إلى تفصيل يثير الأحقاد . وقد من الله علينا بالزيارة المباركة التي قام بها السيد عبد الوهاب نوري والي ولاية سطيف برفقة السيد رئيس دائرة ڤجال إلى الزاوية في يوم الجمعة الأولى من شهر رمضان لسنة 1423. وتم من خلالها اتخاذ قرار استرجاع الإكمالية. وبعد خمس سنوات من ذلك القرار التاريخي هاهو مشروع المجمع الإسلامي لزاوية ڤجال ،ينطلق ، بعد أن تمت تسوية جميع الإجراءات القانونية والإدارية لتكون البداية بإنجاز المسجد الجديد الذي لطالما انتظره أهل المنطقة . وإن كان لابد من كلمة أختتم بها هذا الفصل، وأقولها للتاريخ ولكل الذين عرفوني شخصيا من خلال منبر مسجد الزاوية الذي واصلت العمل به لمدة ربع قرن من الزمن وفاجأهم مغادرتي له بدون سبب ظاهر في شهر أفريل من 2008: فإن ظروفا قاهرة جدا ومحيطا لم يعد يحتمل ،وأناسا لاصلة لهم بالعلم ولابالدعوة ولا حتى بالرجولة أعجبوا بأنفسهم وأموالهم وعلاقاتهم بأصحاب المال والجاه أحاطوا بالمسجد وجمعيته ، وسايرتهم في ذلك الهيئات الرسميية ،عملوا على تهميشي ،بداية من إخراجي من جمعية المسجد، ليواصلوا خطتهم الخبيثة من خلال الإساءات المتكررة بالغمز والهمز حينا وبالجهر بكلمة البغض لعائلتي التي نالها فضل الانتساب إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينا آخر . هذا بالإضافة إلى مجموعة من الأفاكين الذين كان لاهم إلا أن يعلنوا الحرب علي ويجمعون حولهم الجموع للتخلص مني وإبعادي عن منبرالجمعة. وبمرور الأيام كنت أشعر أكثر بحالة التهميش تزداد وتزداد معها قناعتي بأنني أصبحت شخصا غير مرغوب فيه من قبل شريحة عريضة من الناس ، وكانت دعواهم مرة أنني شيعي ،وأخرى أن خطابي عالي المستوى ولا يناسب مستوى أهل القرية الذين يتكون أغلبهم من الفلاحين ،وثالثة أنني أتكلم في السياسة ....إلى آخره ،وليس الأمر كذلك أبدا وإنما هو الحسد والغيرة وإبعاد القريب وتقريب البعيد وهي صفات واضحة لرهط من سكان منطقتنا . فكانت قناعتي أن أترك المنبر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري . لتكون مهزلة حفل التكريم الذي أقيم بالزاوية شهر أفريل 2008 م . وكرم فيه من لا علاقة له بالزاوية ولا بالتعليم القرآني وأسقط فيه من أفنى عمره في خدمة الزاوية وإقامة الصلاة، كانت تلك المناسبة التي لم أحضرها آخر عهد لي بالمسجد ومنبره .
الطريقـة :
كان شيوخ الزاوية يتبعون الطريقة الرحمانية الحفناوية البكرية الخلوتية . ( حسب ما نصت عليه إجازة الشيخ الصديق حمادوش ). وهي طريقة صوفية تربوية تعليمية جهادية معروفة خاصة في زوايا الشرق الجزائري تعود في جذور نشأتها الأولى إلى الإمام علي الذي يعد وذريته من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المغرب العربي إحدى المدارس الكبرى للطرق الصوفية والقيادة الروحية والشرعية . أما منهجها في العقيدة و الفقه فهي تلتقي مع سائر الطرق الصوفية و المدارس الإسلامية و المراجع الفقهية في الجزائر وبلاد المغرب العربي الأخرى في وحدة لا مثيل لها في العالم الإسلامي ، وحدة على مستوى المنهج العقيدي الأشعري و المذهب الفقهي المالكي هذا فضلا عن الوحدة التي تجسدت في مدارس التفسير واللغة ومدرسة التلاوة والرسم القرآني والخط المغربي . وغيرها .هذا الإرث العلمي والثقافي العظيم الذي حافظت عليه الزوايا وعمقت علومه ومعارفه تأصيلا وتفريعا وانتشارا في الأوساط الخاصة والعامة حتى غدا مدرسة المغرب العربي المتميزة والمنافسة لمدرسة المشرق العربي .
من شيوخ وعلماء زاوية ڤجال (زاوية بن حمادوش) :
الشيخ عبد الرحمن الأخضري
الشيخ الطاهر بن حمادوش
العلامة الشيخ الصديق بن الطاهر حمادوش
العلامة الشيخ المختار بن الشيخ
الشيخ الطيب بن الصديق حمادوش
الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش
الشيخ محمد الصديق بن الطيب حمادوش
الشيخ عبد الرحمان بن الطيب حمادوش
الشيخ محمد الصغير بن يوسف الحملاوي
الشيخ القريشي مدني
الشهيـد الشيخ سي حمـود مـني
الشيخ الدراجي العيادي
الشيخ الطيب بن الكتفي
الشيخ محمد بقاق
الشيخ المنور مليزي
صور لبعض شيوخ _ زاوية بن حمادوش - بڤجال _
العلامة الشيخ المختار بن الشيخ
الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش
الشيخ محمد الصديق بن الطيب حمادوش
الشيخ عبد الرحمان بن الطيب حمادوش
الشيخ عبد الرحمان بن الطيب حمادوش
الشيخ القريشي مدني
أصدقاء زاوية ڤجال (زاوية بن حمادوش) :
الشيخ محمد الصالح حمر العين
الشيخ محمد خلفي
صور لأصدقاء زاوية ڤجال (زاوية بن حمادوش) :
الشيخ محمد العربي التباني
رسالة الشيخ محمد العربي التباني الى عائلة حمادوش
رسالة الشيخ محمد العربي التباني الى شيوخ زاوية قجال
الشيخ محمد صالح حمر العين
الشيخ محمد خلفي
صور لزاوية بن حمادوش - بڤجال — Guidjel —
ضريح سيدي مسعود (رضي الله عنه)
وثائق تخص عائلة حمادوش
* - مجلة منبر قجال
* - منشورات مخبر البحوث و الدراسات في حضارة المغرب الإسلامي / جامعة منتوري قسنطينة / الخريطة التاريخية و الأثرية لمنطقة سطيف / الملف التاريخي
* - السلطة الحفصية و أوقاف الأشراف / قراءة في ظهير لصالح زاوية قجال بسطيف / مؤرخ سنة 888 ه / 1483 م/ جامعة باجي مختار عنابة
* كتاب - الإمام الشهيد عبد الحميد حمادوش (رحمه الله) - تأليف الشيخ الزبير حمادوش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق