الخميس، 30 أبريل 2015

معروف الكرخي

معروف الكرخي

 

 أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي، أحد علماء الإسلام ، ومن أعلام التصوف ،في القرن الثاني الهجري في بغداد ، ومن جملة المشايخ المشهورين بالزهد ،والورع ، والتقوى، وصفه الذهبي بـ "علم الزهاد بركة العصر" صحب داود الطائي، وسكن بغداد. كان أبواه نصرانيين، فأسلماه إلى مؤدبهم، وهو صبى. وكان المؤدب يقول له قل: "ثالث ثلاثة"، فيقول معروف: "بل هو الواحد الصمد!"، فضربه على ذلك ضرباً مفرطاً، فهرب منه . فكان أبواه يقولان: "ليته يرجع ألينا، على أي دين كان، فنوافقه إليه!"، فرجع أليهما، فدق لباب، فقيل: "من"، قال: "معروف!"، فقالا: "على أى دين"، قال: "دين الإسلام"؛ فأسلم أبواه.

 

    سيرته :

    نزل يوماً إلى دجلة يتوضأ ووضع مصحفه وملحفة فجاءت امرأة فأخذتهما، فتبعها، قال: "أنا معروف لا بأس عليك! ألك ولد يقرأ القرآن؟"، قالت: "لا"، قال: "فزوج"، قالت: "لا"، قال: "فهات المصحف، وخذي الملحفة" وكان قاعداً على دجلة ببغداد إذ مر به أحداث في زورق، يضربون الملاهي ويشربون؛ فقال له أصحابه: ما ترى هؤلاء -في هذا الماء- يعصون! أدع الله عليهم!"، فرفع يديه إلى السماء قال: "إلهي وسيدي!، كما فرحتهم في الدنيا أسألك أن تفرحهم في الآخرة!" فقال له أصحابه: إنما قلنا لك: ادع عليهم!"، فقال: "إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا، ولم يضركم شيء".

    من أقواله :

     

    • "الدنيا أربعة أشياء: المال، والكلام، والمنام، والطعام. فالمال يطغي، والكلام يلهي، والمنام ينسي، والطعام يسقي.
    • ما أكثر الصالحين، وأقل الصادقين في الصالحين 
    • إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فتح عليه باب العملِ، وأغلق عنه باب الجَدل. وإذا أراد الله بعبدٍ شراً، أغلق عنه باب العملِ، وفَتح عليهِ باب الجَدلِ .
    • توكل على الله عز وجل حتى يكون هو معلمك وموضع شكواك ، فإن الناس لا ينفعونك .
    • غضوا أبصار كم، ولو عن شاة أنثى .
    • السخاء إيثار ما يحتا ج إليه، عند الإعسار.
    • قيام الليل نور للمؤمن يوم القيامة يسعى بين يديه ومن خلفه وصيام النهار يبعد العبد من حر السعير.
    • ينادي مناد يوم القيامة يا مادح الله قم فلا يقوم إلا من كان يكثر قراءة (قل هو الله أحد).
    • وقال حين سئل: ما علامُة الأولياء؟ فقال: ثلاثٌة: همومهم للهِ، وشغُلهم فيه، وفَرارهم إليه .
    •  

    وفاته :

     

    توفي معروف في بغداد سنة 200 هـ الموافق 815م ودفن فيها، في مقبرة الشونيزية أو مقبرة باب الدير العتيقة على جانب الكرخ من بغداد .


      مصادر :

    1. طبقات الصوفية، تأليف: أبو عبد الرحمن السلمي، ص80-85، دار الكتب العلمية، ط2003.
    2. سير أعلام النبلاء، تأليف: الذهبي
    3.  طبقات الأولياء، تأليف: ابن الملقن، ص216.
    4.  حلية الأولياء، تأليف: أبو نعيم، ج8، ص412.

الجنيد البغدادي

الجنيد البغدادي

 

أبو القاسم الجنيد ،بن محمد الخزاز القواريري، أحد علماء الإسلام ،ومن أعلام التصوف ، في القرن الثالث الهجري ، أصله ،من نهاوند في همدان (مدينة آذرية)، ومولده ومنشؤه ببغداد.

 قال عنه أبو عبد الرحمن السلمي: 
«هو من أئمة القوم وسادتهم؛ مقبول على جميع الألسنة» .

صحب جماعة من المشايخ ، وأشتهر بصحبة خاله سري السقطي ، والحارث المحاسبي . ودرس الفقه على أبي ثور، وكان يفتي في حلقته وهو ابن عشرين سنة. توفي يوم السبت سنة 297 هـ.

 

سيره :

قال: "كنت بين يدي سري ألعب، وأنا ابن سبع سنين، وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر؛ فقال لي: "يا غلام! ما الشكر" قلت: "الشكر ألا تعصي الله بنعمه". 
فقال لي: "أخشى أن يكون حظك من الله لسانك!" قال الجنيد: "فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها لي السري".
وقال: "قال لي خالي سري السقطي: "تكلم على الناس!" وكان في قلبي حشمة من ذلك، فاني كنت أتهم نفسي في أستحقاق ذلك، فرأيت ليلة في المنام، رسول الله - وكانت ليلة جمعة -فقال لي: "تكلم على الناس!". فانتبهت، وأتيت باب سري قبل أن أصبح، فدققت الباب، فقال: "لم تصدقنا حتى قيل لك!". فقعدت في غد للناس بالجامع، وأنتشر في الناس أني قعدت أتكلم، فوقف علي غلام نصراني متنكر وقال: "أيها الشيخ! ما معنى قوله : (أتقوا فراسة المؤمن. فإنه ينظر بنور الله) فأطرقت، ثم رفعت رأسي فقلت: "أسلم! فقد حان وقت إسلامك!" فأسلم".

هيأته ووصفه :

كان الجنيد ،كما ذكر أبو عادل الشبلي : اما عن هيأته فقد رأيته أبيضا ، أخضر العينين ، طويل الأنف ،مستقيم الحاجبين ،طويل القامة ،أعجمي المنظرة ، له لحية كثيفة ، عاش 80 عاما ، ابوه محمد بن الجنيد النهاوندي ،وامه هي إحدى حفيدات يزدجر ، وهي من سلالة ملك فارس كسرى ،وكانت مسلمة في ذلك الوقت ،هي و أبوها أما محمد القواريري ،فكان يبيع الزجاج بفارس ،وكان يتكلم اللغة الفارسية ،وأبوه الجنيد الأول، كان بنهاوند ،وام الجنيد الاول هي تگميليآ من البصرة ،هاجر آبائها إلى البصرة وتزوجها الجنيد الأول كما سمعت هذا من الجنيد ( هشام بن فاتك الجريري )

أصحاب الجنيد :

  • أبو بكر الشبلي
  • أبو محمد الجريري
  • وأبن الأعرابي أبو العباس أحمد بن محمد بن زياد
  • إسماعيل بن نجيد
  • علي بن بندار أبو الحسن الصيرفي
  • عبد الله بن محمد الشعراني أبو محمد الرازي الأصل
  • أبو الحسين علي بن هند القرشي الفارسي، من كبار مشايخ الفرس وعلمائهم

أساتذته :

  • محمد بن إبراهيم البغدادي البزاز أبو حمزة
  • بشر بن الحارث
  • سري السقطي
  • معروف الكرخي

من أقواله :

من أقواله المشهورة: "الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول". وقال: " من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة ".
من مواعظ الجنيد البغدادي يقول : "إنما اليوم إن عقلتَ ضيفٌ نزل بك وهو مرتحل عنك، فان أحسنت نزله وقِراه شهد لك وأثنى عليك بذلك وصدق فيك، وإن أسأت ضيافته ولم تحسن قراه شهد عليك فلا تبع اليوم ولا تعد له بغير ثمنه. واحذر الحسرة عند نزول السكرة فإن الموت ءاتٍ وقد مات قبلك من مات".
"اتق الله وليكن سعيك في دنياك لآخرتك فإنه ليس لك من دنياك شئ، فلا تدخرن مالك ولا تتبع نفسك ما قد علمت أنك تاركه خلفك ولكن تزود لبعد الشقة، واعدد العدة أيام حياتك وطول مقامك قبل أن ينزل بك قضاء الله ما هو نازل فيحول دون الذي تريد، صاحِب الدنيا بجسدك، وفارقها بقلبك، ولينفعك ما قد رأيت مما سلف بين يديك من العمر وحال بين أهل الدنيا وبين ما هم فيه، فإنه عن قليل فناؤه، ومخوف وباله، وليزِدك إعجابُ أهلها زهداً فيها وحذراً منها فإن الصالحين كانوا كذلك". "اعلم يا ابن آدم أنّ طلب الآخرة أمر عظيم لا يقصر فيه إلا المحروم الهالك، فلا تركب الغرور وأنت ترى سبيله، وأخلِص عملك، واذا أصبحت فانتظر الموت، وإذا أمسيت فكن على ذلك، ولا حول ولا قوة الا بالله، وإنّ أنجى الناسِ من عمل بما أنزل الله في الرخاء والبلاء".
"يا ابن آدم دينك دينك، نعوذ بالله من النار فإنها نار لا تنطفئ, وعذاب لا ينفد أبداً، ونفس لا تموت، يا ابنَ آدم إنك موقوف بين يدي الله ربك ومرتهن لعملك فخذ مم في يديكَ لما بين يديك، عند الموت يأتيك الخبر، إنك مسئول ولا تجد جوابا، إنك ما تزال بخير ما دمت واعظاً لنفسك محاسباً لها وإلا فلا تلومن إلا نفسك".

مؤلفاته :

صدر كتاب "رسائل الجنيد ((اول عمل يجمع كلا رسائل الامام الجنيد واقواله الماثورة))" عن دار اقرا، بتحقيق الدكتور جمال رجب سيدبي وتصدير الدكتور عاطف العراقي، الطبعة الأولى، 2005.
قال المحقق الدكتور جمال رجب سيدبي في مقدمة الكتاب بعد حديثه عن أسباب عدم نشر وتحقيق رساتل الجنيد "لمثل هذين السببين اللذين اشرت اليهما آنفا ما دفعني إلى محاولة تحقيق المخطوطات، والبحث عن النسخ للمقابلة، واصبح مجمل هذه المخطوطات بعد التحقيق حوالي ستة عشر مخطوطا، ولم اكتف بهذا وحسب، بل اضفت إلى هذا العمل كل ما تركه الامام من رسائل واقوال متناثرة من مصادر التصوف الاصلية والقريبة العهد نسبيا بحياة الإمام الجنيد"
وصل بذلك عدد رسائل الجنيد إلى واحد وثلاثين رسالة وهي :
1. كتاب القصد إلى الله.
2. كتاب السر في انفاس الصوفية.
3. كتاب دواء الأرواح.
4. كتاب دواء التفريط.
5. كتاب ادب المفتقر إلى الله.
6. الفرق بين الإخلاص والصدق.
7. كتاب الفناء.
8. كتاب الميثاق.
9. في الالوهية.
10. كتاب الجنيد إلى عمرو بن عثمان المكي تعالى.
11. نسخة من كتاب الجنيد إلى ابي يعقوب يوسف بن الحسين الرازي رحمة الله عليهما.
12. رسالة ابي القاسم الجنيد إلى يوسف بن يحيى رحمة الله عليهما.
13. رسالة ابي القاسم الجنيد بن محمد إلى يحيى بن معاذ رحمة الله عليهما.
14. رسالة ابي القاسم الجنيد إلى بعض اخوانه.
15. رسالة ابي القاسم الجنيد إلى بعض اخوانه.
16. رسالة إلى بعض اخوانه.
17. رسالة إلى جعفر الخالدي.
18. رسالة في المعرفة.
19. رسالة الجنيد إلى ابي اسحاق المرستاني.
20. رسالة إلى بعض اخوانه.
21. رسالة إلى بعض اخوانه.
22. رسالة إلى بعض اخوانه.
23. النظر الصحيح إلى الدنيا.
24. رأي الجنيد في الذكر الخفي.
25. كتابه إلى ابي العباس الدينوري.
26. عقبات الوصال.
27. رسالة في الايمان.
28. صفة العاقل.
29. رسالة في التوحيد.
30. رسالة الجنيد إلى ابي بكر الكسائي.
31. رسالة الجنيد إلى علي بن سهل الأصبهاني.

وفاته :

وقال أبو محمد الجريري: "كنت واقفاً على رأس الجنيد وقت وفاته -وكان يوم جمعة- وهو يقرأ، فقلت: "أرفق بنفسك!" فقال: "ما رأيت أحداً أحوج إليه مني في هذا الوقت، هو ذا تطوى صحيفتي". وقال أبو بكر العطار: حضرت الجنيد عند الموت، في جماعة من أصحابنا، فكان قاعداً يصلي ويثني رجله، فثقل عليه حركتها، فمد رجليه وقد تورمتا، فرآه بعض أصحابه فقال: "ما هذا يا أبا القاسم!"، قال: "هذه نعم!. الله أكبر". فلما فرغ من صلاته قال له أبو محمد الجريري: "لو اضطجعت!"، قال: "يا أبا محمد! هذا وقت يؤخذ منه. الله أكبر". فلم يزل ذلك حاله حتى مات". وقال ابن عطاء: "دخلت عليه، وهو في النزع، فسلمت عليه، فلم يرد، ثم رد بعد ساعة، وقال: "اعذرني! فإني كنت في وردي"، ثم حول وجهه إلي القبلة ومات".
وغسله أبو محمد الجريري، وصلى عليه ولده، ودفن بالشونيزيه، بتربة مقبرة الشيخ معروف الكرخي في بغداد، عند خاله سري السقطي. وصلى عليه جمع كثير من الناس قدر عددهم بالآلاف.


 

التوحيد

التوحيد

 

التوحيد :

وهو الإيمان بأن الله هو الذي خلقه، وهو خالق كل ما في الكون، والمستحق للعبادة، وهو الذي أوجده من العدم ، وبيده كل شيء، فالخلق، والرزق ،والعطاء ،والمنع، والإماتة، والإحياء، والصحة، والمرض، كلها تحت إرادته (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون).

وفيه فصلان:

وجود الله

 

وهو القول بوجود الله
والأدلة على وجود الله كثيرة ،ويمكن تلخيصها في الأدلة التالية:
  • الدليل الفطري "طريق الباطن": وهو نداء الفطرة القاهرة الموجودة في أعماقنا، فالنفس مفطورة على الإيمان ،بوجود الله الخالق الصانع، لذا نراها عند فزعها ترجع إلى ربها.
  •  
  • الدليل العقلي : وهو عكس الدليل السابق فهو طريق استدلال على وجود الله ، من الخارج ،عن طريق حواسنا ، وعقولنا ، التي وهبها الله لنا ،، لنتفكر في خلقه ونتعرف على مقدرته ، وحكمته ، وعظمته ، ومنه :
  • دليل السببية : وهو أن لكل معلول علة، ويسمى هذا بقانون العلية ،وأن لكل معلول علة ،لأنه لا بناء من دون بنّاء، ووجود المعلول ،دليل على وجود العلة. كما أن وجود البيت المبني ، دليل على وجود البنّاء.

توحيد الله

ليس المعنى من توحيد الله ، انه واحد في ذاته فقط ، فهذا التعريف ، تعريف غير كامل ، والحقيقة أن توحيد الله يشتمل على أربعة أقسام هي :
  • توحيد الذات : يعني أن الله واحد لا شريك له.
  •  
  • توحيد الصفات : يعني أن صفات الله هي عين ذاته.
  •  
  • توحيد الأفعال : يعني أن الرزاق والمدبر للكون هو الله وحده.
  •  
  • توحيد العبادة : يعني أن الله هو المستحق الوحيد للعبادة فقط.

معنى العقيدة والالتزام بها




معنى العقيدة والالتزام بها

 

  •  معنى العقيدة :
  •  
  • العقيدة لغة ،من عَقَََََدَ يَعْقِد عقْدا. ومعاني هذه المادة في اللغة ، تفيد الإحكام والرسوخ والثبات. يقول ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة": "العين والقاف والدال أصل واحد يدل على شَدٍّ وشدة وثوق"( انظر مادة عقد.). واصطلاحا تطلق العقيدة على ما كُلِّف المسلم بالإيمان به ،والتصديق بأنه حق ،من مسائل الغيب. ويشمل هذا التكليف أركان الإيمان ،الواردة في حديث جبريل: أي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره(البخاري: كتاب الإيمان؛ باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان والإسلام). ووجه تسمية الإيمان بهذه الأركان عقيدة ، أنه مطلوب من المكلف ، أن يعقد عليها قلبه ،فلا يداخله فيها الشك بحال؛ إذ التردد في بعضها ،كالإيمان بالله ، أو بالرسل ،صلوات الله وسلامه عليهم ، أو إنكار البعض الآخر ،من غير شبهة تأويل ،كإنكار القضاء والقدر أصلا؛ كفر وضلال.
  •  
  • الالتزام بالعقيدة :

  • وإذا كانت أركان الإيمان تشكل في مجموعها عقيدة المسلم؛ فإن الالتزام بهذه العقيدة ، يعني الحرص كل الحرص ،على تحقيق الانسجام بين مفرداتها ،وبين حياة المسلم ،بمختلف جوانبها وأبعادها.

  • ففي مجال الفكر والعلم ،تقتضي العقيدة مثلا ،أن يكون الوحي مصدرا من مصادر المعرفة المعتبرة ،سواء تعلق الأمر بالماضي ،الذي لم ندركه ، أو بالمستقبل ، الذي لا نعرفه.
  •  
  •  وفي مجال العبادات ،تقتضي العقيدة مثلا ،أن يحافظ المسلم على الصيغ التي حددها الوحي للشعائر ،طريقة ،ومقدارا ،وتوقيتا، وأن يستحضر –وهو يقوم بها- كل معاني التذلل ،والخشوع ،والمحبة نحو خالقه ،سبحانه وتعالى.

  • وفي مجال السلوك الشخصي ،والعلاقات الاجتماعية ،تقتضي العقيدة مثلا ،أن يتصرف المسلم ،انطلاقا من نظام من القيم ، لا يحيد عنه؛ كالصبر على المصائب ، والرضا بما قدر الله تعالى عليه ،مما لا يستطيع مدافعته، ونبذ الخيانة ،والكذب ، اللذين لا يتصور صدورهما ،من مؤمن حقيقي، وإطعام الجار ، الذي لا يجد ما يسد به رمقه.. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يومن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»(
    رواه الشيخان)
  •  
  • ولذلك نجد كثيرا من نصوص الشرع ،تطلق على الأعمال اسم الإيمان؛ كقوله عز وجل مخاطبا الصحابة ،مطمئنا إياهم على قبول صلواتهم إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة: (وما كان الله ليضيع إيمانكم)( سورة البقرة الآية 143.)
  •  
  • وفي الحديث الصحيح: «الإيمان بضع وسبعون –أو بضع وستون شعبة- فأفضلها قول لا إله إلا الله ،وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان»(رواه مسلم في كتاب الإيمان باب بيان عدد شعب الإيمان... رقم 58. وفي رواية البخاري الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان. كتاب الإيمان. باب أمور الإيمان. رقم 9.).
  •  
  •  يقول القاضي عياض –رحمه الله- «فقد أطلق الشرع على الأعمال إسم الإيمان؛ إذ هي منه وبها يتم»( إكمال المعلم بفوائد مسلم 1/ 203. ط دار الوفاء: المنصورة. 1419هـ/ 1998م.) .



جزائريون يبحثون عن نسبهم في الأرشيف التركي بإسطنبول


جزائريون يبحثون عن نسبهم في الأرشيف التركي بإسطنبول

جميلة بلقاسم 
 
 
 
يفتخر الكثير من الجزائريين بأنهم أشراف أو مرابطين، أو أنهم من نسل الحسن والحسين رضي الله عنهما، ومن نسل فاطمة رضي الله عنها ومن آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتباهون بأنهم عائلات شريفة أو مرابطة، ومصطلح "الأشراف" يطلق تقريبا في كل أنحاء الجزائر على عدة أسر وعائلات ذات أصول شريفة، تعود أصولها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وآل البيت وهم الحسن والحسين وفاطمة وعلي رضي الله عنهم. 



وتحيط هذه العائلات نفسها وأفرادها بنوع مميز من القداسة والتبجيل حتى أصبح عامة الناس يحسبون أن المرابطين والأشراف معصومين عن الخطأ، ويعيبون عليهم أي زلة، ويترصدون لهم كل الزلات صغيرها وكبيرها، بينما الحقيقة أن فيهم السوي وفيهم العاصي وفيهم بشر يخطئون ويصيبون، عدا أنهم يتفاخرون بالألقاب والأنساب كونهم من ذرية الأشراف والمرابطين وأهل حسب ونسب، غير أنه مع مرور الوقت، تم تحريف مصطلح المرابطين، وعلقت به أمور خرافية منها أن دعواتهم مستجابة وأن كل من يحاول أذيتهم أو التعرض لهم بالسوء يصيبه مكروه وأنهم يمتازون بالرؤيا أثناء النوم وما يرونه يتحقق فعلا وما إلى ذلك.
غير أن العديد من الناس أصبحوا يتفاخرون مذكرين محدثيهم في كل مناسبة بأنهم مرابطين أو أشراف، وسواء كانوا كذلك أم لا، فإننا نتفاجأ في بعض الأشخاص الذين لا يعكسون "خير خلف لخير سلف".
.
أغلب أشراف الجزائر أدارسة

وفي هذا الخصوص أوضح الدكتور الباحث محمد بن بريكة البوزيدي الحسني المتخصص في الأبحاث الصوفية والأنساب الشريفة الحسينية ومؤسس الرابطة الجزائرية للزوايا في لقاء خاص مع "الشروق اليومي" أن أكثر الأشراف هم أشراف حسينيون في المغرب العربي بما في ذلك الجزائر، جاؤوا من سيدنا إدريس الأصغر الذي تركه إدريس الأكبر في بطن جارية بربرية، ويجب على الجميع أن يعلموا أنه ليس هارون الرشيد من أرسل السم لإدريس الأكبر في المغرب الأقصى ليقتله بل وزيره جعفر البرمكي، فعل ذلك دون علم هارون الرشيد، حيث أرسل له زبيبا مسموما، فمات عندما أكله، ونتيجة ذلك نجد أن العديد من عائلة الأشراف لا يأكلون الزبيب إلى يومنا هذا، ولا ينطقون لفظ "شكارة" لأن جعفر البرمكي أرسل له الزبيب داخل "شكارة".
وأكد بن بريكة أن "هجرة الأشراف من الحجاز إلى المغرب الأقصى بدأت بعد سنة 60 هجرية في خلافة يزيد بعد مقتل الحسين وتعرض السلالة النبوية للإضطهاد هناك".
.
بن بريكة يعتبر سبّ أفراد العائلات الشريفة والمرابطة ردّة


بينما ينتشر الحسينيون ـ حسب الدكتور بن بريكة ـ بدرجة أكثر في المشرق، وهذا لا يمنع من وجود أشراف حسينيين في المغرب العربي، والشرف الأخص الذي وضع علماء الأنساب كتبهم حوله، هو النسبة إلى آل البيت المرادين من قوله تعالى "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"، وهذا النسب يضم الأربعة الذين أدخلهم صلى الله عليه وسلم تحت ردائه، وهم سيدنا علي، والسيدة فاطمة الزهراء، وسيدنا الحسن وسيدنا الحسين، ولهم أحكام تخصهم وتخص من تفرع عنهم إلى يوم القيامة، وهي حرمة الصدقة والزكاة فلا يأخذونها لأنهم منزهون عن أرجاس الدنيا، ولهم حقهم في الخمس من بيت مال المسلمين على سبيل العطاء، وتراعى حرمتهم في شؤون كثيرة، نخص منها الزواج مراعاة لحقه صلى الله عليه وسلم، فمثلا لا يمكن سب أصل الشخص الشريف لأن أصله هو رسول الله، باعتباره وسبّه يعتبر ردة، ولا شتمه ولا تقبيحه، وفي هذا قال صلى عليه وسلم "فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها".
.
الاستعمار الفرنسي طمس شجرة أنساب الجزائريين واستبدلها بالألقاب


قال محمد بن بريكة أو طبقة للأشراف هي طبقته صلى الله عليه وسلم والثابت أنها موصولة إلى سيدنا إسماعيل بن ابراهيم عليهما الصلاة والسلام، ويجب على كل مؤمن فضلا عن أبناء الشجرة الشريفة أن يحفظ بعضها أو كلها، أما الطبقة الثانية، فتعتبر الأولى حين نتكلم عن الأنساب الشريفة وهي إدريس الأزهر، ابن إدريس الأكبر، بني فاس، ابن عبد الله الكامل، ابن الحسن المثنى، ابن الحسن السبط، ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والطبقة الثالثة هي طبقة الأشراف الحسينيين وتبدأ من ذرية سيدنا إدريس الأصغر إلى غاية القرن الثامن عشر، وهي الفروع الشريفة المنتشرة في المغرب الإسلامي كله، ويطلق في العادة على أبنائها لقب مولاي، كما يطلق لفظ السيد في المشرق، لقوله عليه الصلاة والسلام "من كنت مولاه فعلي مولاه ومن كنت سيده فعلي سيده"، فلفظ المرابط أو الشريف أو السيد أو المولى كلها تعبر عن الأشراف، والطبقة الرابعة والأخيرة تمتد من الاستعمار إلى اليوم، وسبب تأريخها بالاستعمار يعود إلى كون الإستعمار الفرنسي حاول طمس أنساب الجزائريين واستبدلها بالألقاب، خاصة وأن طبيعة الإستعمار الفرنسي ثقافية بخلاف الإستعمار الإنجليزي أو غيرهما.
.
جزائريون يجهلون نسبهم ولا يعلمون إن كانوا أشرافا أم عثمانيين أو بربرا


ويجهل بعض الأشراف إلى اليوم أو البكريين أو العوماريين أو العثمانيين أنسابهم، إلا في البيئات العلمية المغلقة التي كانت حواضر علمية على مر العصور مثل بلاد توات بالصحراء أي أدرار وما جاورها، فلأهلها اشتغال بالأنساب الشريفة وغير الشريفة ومثل تلمسان والمدية وقسنطينة والجزائر العاصمة، حيث فيهم اشتغال بعلم الأنساب.
وقال بن بريكة "لقد اطلعنا مثلا على بعض شجرات الأنساب وعليها توقيعات علماء وقضاة الدولة العثمانية بالجزائر قبل دخول الإستعمار الفرنسي، كما يوجد في الأرشيف العثماني بأسطنبول بعض الأعمدة النسبية لعائلات جزائرية، ويمكن لأي جزائري لديه اهتمام بعلم الأنساب أن يتابع هذه الأعمدة انطلاقا من الجزائر، وذلك بضبط سبعة أجداد لربطها بالشجرة الأصلية الموجودة في الأرشيف التركي باسطنبول".
وأكد الدكتور بن بريكة أنه يعكف منذ 20 سنة على كتاب ضخم جدا في الأنساب الشريفة الحسنية وسيرى النور بعد سنة أو سنتين من الآنـ وقد استغرقت كل هذه المدة لأن الأمر يتعلق بذرية الحبيب المصطفى التي تعتبر أمانة وتترتب عليها أحكام ومعاملات فوجب التحري والضبط".
.
هؤلاء هم أشهر الأشراف الجزائريين

 
وقال محمد بن بريكة أن "من أشهر الأشراف الأولياء المعروفين في الجزائر "سيدي الخيّر في سطيف، سيدي الهواري في وهران، سيدي بلعباس، وسيدي بوزيد بن علي، وسيدي نايل بالجلفة، وسيدي بلقايد بتلمسان وبلاد القبائل، وسيدي محمد بن عبد الرحمن المشهور ببوقبرين، حيث له مدفننان احدهما ببلوزداد بالجزائر العاصمة والثاني ببونوح بتيزي وزو، وسيدي يحيى، وسيدي أحمد بن يوسف الراشدي بخميس مليانة، وتلميذه سيدي احمد بن موسى دفين كرزاز بولاية تبسة وسيدي أبو مروان الشريف بعنابة، وسيدي جميل بعنابة، وذرية سيدي احمد التيجاني المدفون في حي فاس، في حين توجد ذريته بضواحي الأغواط، وذرية سيدي عيسى بن عبد الرحمن دفين الأرهاط بولاية تيبازة، وسيدي محمد الزردالي الذي اشتق إسم مدينة زرالدة من إسمه لأنه كان سببا في بنائها، وتوجد ذريته هناك، وسيدي مرزوق الذي تنسب إليه مقبرة بن عكنون الشهيرة وذرية سيدي احمد بن بلقاسم الهاملي مؤسسة زاوية سيدي الهامل المشهورة ببوسعادة وهم أشراف معروفون من البوازيد"...إلخ من الأشراف الجزائريين".
.
الزوايا تحتفظ بشجرات الأنساب الشريفة
وأكد الدكتور بن بريكة أنه على كل من يريد البحث عن نسبه أن يصل إلى الجد الكبير الذي ينسب إليه سواء المدون في سجلات الحالة المدنية في بلديته الأصلية أو المتواتر، وأكثر الزوايا الجزائرية تحتفظ بشجرات الأنساب الشريفة وبعض الشجرات المنسوبة إلى الخلفاء أو الصحابة أو غيرهم.
وعن التقديس المبالغ في لعائلات الأشراف والمرابطين قال بن بريكة أن "ما يعتقد الناس أنه مبالغة في تقديس عائلات الأشراف والمرابطين إنما هو في حقيقة الأمر تعظيم لجناب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الشريف أن يتذكر دائما وأبدا أن الحسنة في الشريف أحسن والسيئة في الشريف أسوأ وان يتذكر دائنا قوله تعالى "إن أكرمكم عند الله اتقاكم"، وعليهم أن يعتبر النسب الشريف فضل من الله سبحانه وتعالي عليه بغير سابقة من العبد".
من جهته أوضح عمر بلقسام باحث في تاريخ أشراف الجزائر وصاحب كتاب "الرابطة الشريفية" وهو عضو الجمعية الوطنية للأشراف في الجزائر في تصريحات للشروق اليومي أن "المرابطين الأشراف هم ذرية بني هاشم، من الجزيرة العربية، ومنهم من هم من ذرية الرسول، أي من ذرية الحسن والحسين ومن هم من ينتسبون لذرية أبناء عم الرسول ومنهم جعفر ابن أبي طالب".
وأكد عمر بلقسام بدوره أن "أغلب الأشراف الجزائريين هم من سلالة إدريس إبن إدريس إبن عبد الله إبن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وابن مولاتنا فاطمة الزهراء بنت سيدنا رسول الله، فالجزائر يغلب فيها الأشراف الأدارسة".
وكشفت مصادر باحثة في علم الأنساب للشروق اليومي أن الرئيس بوتفليقة من الأشراف الأدريسيين وشجره نسبه تنتهي عند الحسن ابن علي وفاطمة رضي الله عنهما".
.
الاستعمار استحدث ألقابا عشوائية للكثير من الجزائريين وجردهم ابتداء من 1881


وقال بلقسام "أن معظم الجزائريين في عهد الإستعمار كانوا أميين ولم يهتموا بالحفاظ على ألقابهم وأسماء أجدادهم، كما أنه في تلك الفترة لم تكن هناك سجلات مدنية لتسجيل المواليد، والإستعمار الفرنسي شرع في جرد الجزائريين في سجلات الحالة المدنية، ابتداء من سنة 1891 لتسهيل المراقبة والحكم، وهنا استحدث الإستعمار ألقابا عشوائية للكثير من العائلات الجزائرية، ولم تبقى سوى عائلات قليلة التي حافظت على لقبها الأصلي، ونتيجة ذلك فإن أي شخص يريد البحث عن أصوله في أرشيف سجلات الحالة المدنية في بلديته الأصلية، سيكتشف بأن تلك السجلات أحدثت سنة 1890 ودونت على الأكثر خمسة أجيال أي أن أصول الشخص تتوقف عند سنة 1800، أي خمسة أجداد أي "أبو جد جدي" وفي حالات تصل إلى سنة 1790، أي "جد جد الجد"، وكثيرا ما تكون هناك فراغات، لكن تبقى المخطوطات الموجودة في المكتبة الوطنية الجزائرية والمخطوطات المنتشرة عبر الزوايا في الجزائر والكتب المؤلفة قديما وحديثا هي المصدر الوحيد الموجود لحد الآن لكل شخص أراد أن يعرف أصوله". وعن بعض فروع الأشراف في الجزائر قال بلقسام أن "الشجــرة الإدريسيـة الذين تفرعوا من ذرية إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وابن مولاتنا فاطمة الزهراء بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن اشتهر نسبهم وذاع صيتهم من الأشراف أبو بكر بن علي بن محمد الملقب حرمع بن عيسى بن سليمان الملقب سلام بن مزوار بن علي الملقب حيدره بن مولانا محمد بن الإمام إدريس باني فاس ودفينيها وخلف سبعة أولاد ومن فروعهم اولاد خريف، اولاد زروق، اولاد رحمون، اولاد ريسون، اولاد المؤذن، اولاد العربي، اولاد مورسو، اولاد الكلاح، اولاد بوعيشة، أما الذين تفرعوا من ذرية سليمان بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وابن مولاتنا فاطمة الزهراء بنت سيدنا رسول الله "، مستشهدا بقول الإمام السيوطي أن "مولانا سليمان قتل بفخ وخلف ولدا واحدا وهو محمد ومنه تفرعت أغصان هذه الشجرة وكل شريف حسني سليماني فهو من أولاد مولانا محمد بن سليمان دفين جبل وهران الذي توفي مخلفا عشرة أولاد ومن أشهر فروعهم اولاد طاع الله، بنو عبد واحد، بنو ابراهيم، اولاد عيسى، اولاد فطوش، اولاد عبد الرحمان،أولاد محمد العابد،اولاد سيدي عمر الشريف، اولاد طاهر، كما تنتشر في الجزائر ذرية الموساويين القادريين، وهم الذين تفرعوا من ذرية موسى الجون بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وابن مولاتنا فاطمة الزهراء بنت سيدنا رسول الله، ولما توفي رحمه الله خلف السيد ابراهيم والسيد عبد الله الملقب بالرضي، فمن اولاد ابراهيم بنو الاخيضير، أما عبد الله الرضى فلف خمسة أنجال هم موسى الثاني وسليمان واحمد ويحيى الوسيقي وصالح، كما تنتشر في الجزائر ذرية الشجرة الحسنية العلوية، وهم الذين تفرعوا من ذرية ابراهيم وذرية يحيى وذرية عيسى، أبناء عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن سيدنا علي بن أبي طالب ومولاتنا فاطمة الزهراء بنت سيدنا رسول الله، والشجـرة الحسينية وهم من ذرية مولانا الحسين شهيد كربلاء بن سيدنا علي ومولاتنا فاطمة الزهراء بنت سيدنا رسول الله ومن أشهر فروعهم بنو عبد الله، بنو ناجي، بنو الهتارة، بنو الخوارمية".

وأضاف في نفس السياق "أما غير الأشراف في الجزائر فهم إما هلاليون قدموا من شبه الجزيرة العربية إلى شمال إفريقيا أو أمازيغ وبربر وهم السكان الأصليين للمنطقة، وكلاهم احتضنوا الأشراف وأكرموهم".  
 
 نقلاً عن جريدة الشروق الجزائرية
 

برج زمورة

برج زمورة

 

برج زمورة اسم يطلق على مدينة ،و بلدية ،ودائرة تقع في الشرق الجزائري ، تابعة إداريا لولاية برج بوعريريج ، تبعد عن مركز الولاية حوالي 30 كلم ، شمالا ، كانت تتبع لعمالة قسنطينة ، في العصر العثماني ،و كانت تعرف باسمها برج زمورة ، نظرا للحصن المتواجد في أعلى قممها ، و بعد ذلك تبعت إلى عمالة سطيف ، و بعدها إلى ولاية برج بوعريريج ، في آخر تقسيم إداري في الجزائر .....

 

جغرافيا:

 

تقع برج زمورة، ضمن سلسلة جبال البيبان ،و جبال بابور ،في منطقة القبائل الصغرى ،شمال ولاية برج بوعريريج ،على ارتفاع يناهز 1200 م .





 منظر عام لبرج زمورة

وهي منطقة ريفية ،وفيها اراضي زراعية ،مشهورة بزراعة الحبوب ،والقمح الصلب واللين ،والشعير ، كمنطقة بولحاف.

كما تشتهر بتربية المواشي كالابقار ،  والاغنام بصنفيها الماعز والضأن ، وتربية الدواجن ،كالدجاج ،والديك الرومي ،والبط ،والإوز ،لتاقلم هذه الحيوانات مع جو هذه المنطقة ،وتوفر شروط حياتها 


اشهر احيائها ،حي بوعزيزالعتيق ،وذراع حليمة ، والسويقة ،وبونصر ،و بولحاف والدهسة ،والغيل (تالاوزرو)...إلخ 

التاريخ :

 

تعتبر ، زمورة ، أقدم من الولاية ذاتها ، نظرا لتاريخها العريق. ولانها تأسست قبل حوالي 700 سنة ،واللافت للانتباه أن هذه المدينة العريقة ، لم تجد الانتباه المطلوب من السلطات الجزائرية.


عاش في هذه المنطقة ، الرومان ،وهاذا ما يفسر وجود اثار رومانية ، في منطقة الغيل (تالاوزرو) 

 

  • زمورة مدينة غارقة في التاريخ ، و الآثار الرومانية تعد شاهدة على عمق تاريخ المنطقة ،في كل من تالاوزرو ، و تيغرمين ، وخربة قيدرة المصنفة عالميا ، ووفقا لبعض الفرضيات ، فقد تم بناء المدينة ابتداء ،من القرن العاشر الميلادي ، على سفح الجبل ....
  •  
  •  
  •  بالمسجد الجامع ، و نافورة المياه ، نالت ،زمورة ،مكانة كبيرة في عهد الأتراك العثمانيين ،الذين استوطنوها ،و اتخذوها مركزا مهما ،في الشرق الجزائري ، وأقاموا بها محميات ،قلعة زمورة ،كمركز للوجود العثماني بالمنطقة ،و تعد قصبتها ، المبنية على يد الأتراك ،دليلا على مكانتها في ذلك العهد ... .
  •   

  • كان للمدينة دور مركزي في المنطقة أيام الخلافة العثمانية ، في الجزائر حيث قام الجيش الإنكشاري بتأسيس ،أول قواعده ،بثلاث مناطق ،وهي برج زمورة ، و الجزائر العاصمة ، و بقسنطينة ، ففي رسالة بعثها الباب العالي ، إلى قائد الجيش الانكشاري بالمغرب العربي ، قال له فيها : ركز جيشك ،في ثلاث مناطق ، وهي الجزائر  (مدينة)، زمورة ،و قسنطينة .

     

 سكن برج زمورة ،عبر التاريخ كل من الأمازيغ ،الرومان ،و العرب و الأتراك ، ويعد الكثير من سكان زمورة ، من أصل تركي ،وتوجد حاليا الكثير من العائلات التركية التي تعيش بها لحد الآن ،مثل :عائلة كالي علي و دالي محمد وڤريڤ أحسين, و عائلة بوبترة ،وكانت سلالة حاكمة خوجة بن ساسي بن عبيد...إلخ. كما يوجد بها ، الكثير من عائلات الأشراف المرابطين ،المنتسبين لأهل البيت النبوي .


ان هذه المدينة العريقة الشامخة ،التي قاومت الاستعمار الفرنسي ، منذ أن دخل إلى الجزائر الحبيبة ،لم تلق الاهتمام المطلوب ،من أصحاب الشأن .

نظراً لأهميتها ، وموقعها الإستراجي ، وبروز الكثير المقاومين والمساندين للمقاومة ضد المستدمر الفرنسي بها ، زارها الجنرال ديغول ، وعزز تواجد القوات الاستعمارية هناك ،لانها كانت منطقة استراتيجية ،ولوجستية ،بالمفهوم العسكري ، ولم يزر ولايات كبيرة ،معروفة ،حينها .


تشتهر زمورة بمساجدها ، و دور العلم ، وهي أحد أهم المراكز العلمية في ولاية برج بوعريريج ، و شرق الجزائر ، إن لم نقل كامل القطر الجزائري

 اشتهرت زمورة ،بالعلم ،و العلماء ،و الأشراف ،و الفقهاء ،والقضاة ، منهم الشيخ العلامة أحمد بن قدور ،الذي شرح كتاب سيبويه ، وله تعليقات كثيرة ،على مجموع المتون ،ومنه العلامة الذائع الصيت الشيخ عمر أبي حفص الزموري ،الذي كان حجة زمانه ومنهم العلامة الشيخ علي أبو بكر وكالي ،وعلي عبد الله الذي اسس اول مدرسة حرة هناك ، ....وغيرهم الكثير ،لا يتسع المجال لذكرهم ،ومن القضاة ،ابن الأقرط ،وابن القاسم ، وابن الجودي ،وابن سالم........وغيرهم ، كما توجد بها زاوية لتحفيظ القرأن الكريم ،وتعليم العلوم الدينية ،في القليعة بنظام داخلي . لذا كانت منارة منذ القديم للعلم والعلماء ، والقضاة.

 واشهر اعلامها الشيخ حماش توفيق ،حيث الف العديد من الكتب ،وعدت دواوين شعرية......

تتميز زمورة بنمطها المعماري ،الذي يجمع بين الطابع ، الأندلسي ،والتركي ، والبربري ،وتتميز بكثرة مساجدها ، بحيث يوجد بها مسجد ، يعود للقرن الثالث هجري ،  كما توجد بها زاوية لتحفيظ القرآن الكريم ،وتعليم العلوم الدينية ، تعود لعهود إسلامية قديمة ، في قرية القليعة ، بتاسمرت ، لهذا فهي تملك أهمية سياحية ،و دينية ، و تاريخية ، هامة جدا ، في الجزائر.



كل هذه المآثر لم تشفع لهذه المدينة العريقة ،في أن ينفض الغبار على تاريخها ، وعلى فك العزلة عنها وقد اعطت للجزائر الكثير من شعراء ، وعلماء ،وساسة ، ودكاترة جامعات  ،واطباء وغيرهم .

 

مسجد بن حيدوس بزمورة.

 مسجد بن حيدوس من الداخل.

مسجد بن حيدوس من الداخل.

منظر مطل على ساحة مدرسة (على يمين الصورة).

 مدرسة زمورة.

 نافورة عامة.

جسر من العهد العثماني

 يفصل مياه الري بين السويقة ودراع حليمة.

منظر عام على مناظر زمورة.

 

المصادر

  1. ^ [أبو القاسم سعد الله، كتاب: تاريخ الجزائر الثقافي ، الجزء الأول، الصفحة 180.]

الهامل


الهامل

 

 الموقع :

تقع منطقة الهامل في الجنوب الغربي لمدينة بوسعادة ،شمال الصحراء الجزائرية  . وهي بلدية تابعة إدارياً وإقليمياً الى دائرة بوسعادة ،الكائنة بولاية المسيلة ، الجزائرية ، على المرتفعات المتاخمة لأولاد نايل ، تحيط بها من كل الجهات جبال تشكل ما يشبه الحصن ، ويجري أسفلها واد كثير الينابيع ، عذب الماء ، تزين ضفافه بساتين ، ومزارع ، فيها من شتى أنواع الخضر والفواكه ، المعروفة بالمنطقة .

تبعد عن منطقة بوسعادة بـ10 كلم. يمر بها الطريق الوطني رقم 89 ، الرابط بين دائرة بوسعادة ، ودائرة عين الملح ، وتنتمي منطقة الهامل ،إلي السلسلة الجبلية ، أولاد نايل ، والتي تنتمي أيضاً الى سلسلة جبال الزاب ،الأطلس الصحراوي ، كما يحدها من الجهة الشمالية الشرقية جبل سمساد ، التي تعتبر قمته من أعلى القمم في سلسلة جبال أولاد نايل ،وارتفاعها 1003م. يحدها من الجهة الغربية جبل عمران ، ومن الشمال جبل الأخناق ،أما من الجهة الجنوبية فتحدها دائرة جبل امساعد ،(عين أغراب), هذا الموقع الذي يتوسط الجبال ،جعل المنطقة ، على منخفض ،شديد التضرس بحيث تخترقها شعب كثيرة ،كما يمر بالمدينة ،وادي بوسعادة ، الذي يقسم مدينة بوسعادة ،إلى قسمين ، ويصب بدوره في شط الحضنة .....

التسمية :

يمكن أن تكون التسمية ،من كون هذه القرية مهملة ،في وهدة ، تحفها الجبال ،من كل جهة ، بحيث لا يهتدي إليها إلا القاصدون ، ولا يقف عندها إلا الوافدون ،وبالفعل فهي بمنأى عن طريق القوافل المتنقلة إلى الجلفة ،عن طريق بوسعادة ،ولولا أنها معقل علمي، ومعلم حضاري ، ماعرفها غير أبنائها، وأهل الناحية المتاخمة لها، ويحضرني بالمناسبة قول الشيخ سيدي محمد المكي بن عزوز ،في واحدة من قصائده :
  • لبلد الأشراف وهو الهامل *** سمي بذا لعل الأصل الكامل
  • فأبدل الكاف اختشاء العين ***بالهاء فا لحظه قرير العين
  • أو هامل أهلوه في حب النبي ***هاموا بوادي العشق عالي الرتب
  • أو بلد الهامل أي يفيد *** دنيا ودينا حائرا يريد


العمارة :

إن الغالب في التسميات الأولى للحواضر في وطننا أن يكتنفها ما يدخله الصوفية في عالم الكرامة، وما يراه معاصرون من قبيل الأسطورة، ولا نملك إلا أن نسلم لما بلغنا بالتواتر، لأن الروايات الشفوية مصدر من مصادر الخبر إن عدمنا الأثر الكتابي القديم الذي يؤرخ للحادثة كيف ما كان .

 الأسطورة : (لايبعد هذا المعنى المعاصر ،عما قصده الصوفية ، لأن الأسطورة ،كانت عماد التفسيرات ،التي تعطى لأبعاد شتى ،تتمحور حول التفسير ،والتأويل ، المطمئنين ،والمسكنين ،للإنسان ،أو لما هو حميمي لديه)

وبلدة الهامل واحدة من هذه الحواضر التي تناقل الرواة حادثة نشأتها على الصورة التي سنوردها حسب ما استقيناها من مصادر نراها موثوقة.

إن الرواة يوردون قصتين ؛ أولاهما : إن حجاجا نزلوا بعين الماء المسماة اليوم " عين التوتة " فوجدوا غير بعيد منها جملا ضالا... وأخذت أحدهم سنة من النوم، فرأى جده في المنام يقول له " يا عامر لا تفرط في الجمل الهامل " فقام من لحظته، لينبئ رفقته أنه ينوي المكوث بهذا المكان، فمن شاء أن يبقى معه فليفعل، ومن هنا سمي سيدي أحمد المكان بالهامل، والجبل الذي تتوسده القرية عمران، هذا ما رواه مرجع فرنسي قديم بعض الشيء استند فيه إلى أحد الرواة من أهل المنطقة.
والرواية الثانية – وهي الأكثر تداولا – تقول  : إن جماعة من الحجاج الأشراف، الزهاد ،العلماء ،كانوا في طريق عودتهم من البقاع المقدسة، يغدون السير إلى موطنهم ،بجبال عمور ؛ مقر سكناهم فداهمهم الليل في هذا المكان ، الذي كانت به عين ماء تؤمها القبائل المجاورة، لتستقي منها، فصلوا العشاء وغرزوا عصيهم، وناموا.ولما صلوا صبح اليوم الموالي ،وجد اثنان منهم أن عصويهما صارتا غصنين لشجرتي توت، مما أنبأهما أن عليهما أن يلقيا عصا الترحال بهذا المكان، فأقاما فيه، على حين واصل غيرهما المسير، وبقيا ينتظران الفأل الذي استقر رأيهما أن يكون فيه ما يؤذن بتسمية المكان. فسمعا مناديا ينادي بأعلى جبل عمران ؛ الذي تتوسده القرية ؛ :" يا من رأى جملا هاملا." لعله كان ينشد جمله الذي أضله فاستقر رأيهما على أن تسمى القرية الهامل.
وهذان الحاجان الشريفان الوليان هما : سيدي أحمد بن عبد الرحيم ،وابن أخيه سيدي عبد الرحيم ،أعتبر الجحاج ما حدث أمرا إلهيا ،وإذنا ربانيا ،لهما بالاستقرار ،وعمارة المكان ،ورفع الجميع أيديهم إلى السماء متضرعين إلى الله بالدعاء ،راغبين إليه في أن يجعل هذا البلد آمنا مطمئنا عامرا بالدين والعلم.
وما تزال شجرات التوت تعمر المكان وتضلل عين الماء التي نزل بها الحجاج، شاهدا حيا على أن هذه القصة –في الجزء الأكبر منها على الأقل ليست من نسج الخيال وإلا بماذا نفسر وجود شجرات التوت في مكان يندر فيه تواجد هذا النوع من الشجر، ولا عرف مثل هذا الشجر في الموطن الأصلي لسكان الهامل. ويضاف إلى الرواية انهم دعوا بأن تكون خالية من السوق. وإن صحت ،فقد استجاب لهم ربهم ،فلم تقم بالبلدة سوق منذ تأسيسها إلى اليوم ،رغم تعدد المحاولات. قد استجاب الله دعاء هذا النفر من الحجاج الأتقياء، الذين نزلوا هذا المكان ،لأن هذه القرية عمرت بالدين ،منذ ذلك الوقت ،ببناء أول مرفق ديني يستقطب الناس ،وهو المسجد الجامع ، الذي بنوه بجوار العين ،لتعليم أبنائهم ومن حولهم ،كما سبقت الإشارة إليه. كما أن هذا ما يؤكده سكان البلدة ،من الواقع الذي كانت عليه الحال آنذاك. لأنه إذا كان من معاني الدين العلم والاستقامة ،فإن المأثور أن هذه البلدة أنجبت رجالا ؛ منهم من ذاع صيته ، وعرف مكانه ،ومنهم من عاش –على علمه - مغمورا لا تعرفه إلا قلة ممن كانوا يرتادون دروسه ،ومنهم عدد كبير ،كانوا يحفظون كتاب الله ،ويعرفون ما تيسر من فقه الشريعة ،هؤلاء ضربوا في الأرض يعلمون الناس كتاب الله ،ومبادئ دينه ، متأسين بحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه".

وقد بلغ من حفظهم للقرآن العظيم ، أن قال غير واحد :" إذا كنت مارا في أزقة البلدة وأنت تتلو القرآن الكريم، فنسيت الآية التي تتلو، فإن أول من يلقاك يذكرك ،ويفتح عليك " ويوضح هذا أيضا أن لهذه البقعة سابقة في العناية بكتاب الله، وعلوم الدين ، ولغة القرآن ؛ عرفوها منذ تأسيس حاضرتهم هذه.

سكان الهامل :

ينحدر حجاج الهامل – وهم أول سكانها – من أبى زيد ،بن علي الشريف الحسني الذي ينحدر منه غالبية أشراف المغرب الأوسط ،كما يقرر ذلك الرواة.

فسيدي أحمد ،هو ابن عبد الرحيم ،بن عبد الله ،بن أبي زيد ، بن علي ،بن موسى ، بن علي ،بن مهدي ،بن صفوان "يسار" بن موسى ، بن سليمان ، بن موسى ،بن عيسى ،بن إدريس الأزهر ، بن إدريس الأكبر ،بن عبد الله الكامل ،بن الحسن المثنى ، بن الحسن السبط ،بن أبي تراب الإمام علي المرتضى ،و فاطمة الزهراء ،بنت رسول الله ،محمد بن عبد الله (عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى التحية والسلام) .

يتضح من الأبنية المحيطة بالعين، أن العمارة القديمة ،فالطراز معروف ، في الحواضر الإسلامية القديمة، ويسهل على الباحث الخبير ، أن يحدد تاريخه. وعلى الرغم مما أصابها ،من هجوم همجي للإسمنت، شوه صورة العمارة ،التي كانت آية في التناسق، وأتلف ما كان يعتبر مفخرة تراثية، خاصة تلك الشرفات ،والغرف ،التي تمر تحتها الطرقات، في انسياب بديع... ذهب هذا ،وغير ، تحت أطنان من الاسمنت، وفعل التصدع ،والانهيار ،كما هجر أهل المنطقة المساكن ،وقد عرضت للإهمال ،ولكن الشواهد ما تزال تصارع الزمن.

يذهب الأستاذ المؤرخ : على دبوز ، إلى القول بأن قرية الهامل ،بنيت في القرن السادس هجري : " لهذه المزايا في المكان ،آثار حفيد أبي زيد بن علي ؛ عبد الرحيم ،وأحمد الجلول ، فقد أسسا بها ، مسجد التوتة الجامع ، ومساكنهما في القرن السادس هجري ". ولو اعتمدنا طريقة الأجيال ، لما ابتعدنا كثيرا عن هذا التاريخ.

وتذهب بعض الروايات الشفوية ،إلى القول بأن الهامل ،أقدم من بوسعادة، وتؤكد أخرى أنهما بنيتا في قرن واحد . والأقرب إلى الصواب أن بوسعادة ،أقدم وجودا من الهامل.

عرف السكان في هذه الناحية ،بأشراف الهامل، بمواصفاتهم آنفة الذكر، وهي مواصفات لا تعدو الحق ،إن قلنا أن فيها ما يميزهم بعض الشئ، عن سواهم من سكان حاضرة بوسعادة ،وما جاورها. غير أن هذا لم يكسب القرية مكانتها المرموقة، وصيتها الذائع ،الذي جعل بعض الكتاب يصفها ،بمنارة المنطقة .......

كما شيد فيها الأستاذ سيدي محمد بن أبي القاسم الهاملي ، زاويته العامرة، فأمها القاصي والداني ،والطالب ،والعالم ، والمتبرك ،والمتبك به ،وذو الحاجة ،والمستفتي ، والمسترشد. ولله در سيدي محمد المكي بن عزوز إذ يقول :

فربا الهامل أضحت روضة من يرمها يلف ريفا خصبا
من علوم ورياضيات لهم وخشوع يستنفز الرهــبا
وتلاوات وذكــر وهــدى وأنـاس يتقون السغبا
وفنون أدبــيات بها هي أشهى من مناجاة الظبا
ووفود من أقاصي الأرض في طبقات لم يحسوا النصبا
من يرد دينا يجده أو يرد مأرب العاجل يحوي المأربا
مثل ما زمزم من ينو به مقصدا تم له إذ شربا
روضة من يرها يأنس بها ينشرح صدرا، وينجح مطلبا.

زاوية الهامل :

مولد المؤسس :

ولد العلامة الجليل أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم ،بن ربيح بن محمد بن عبد الرحيم الشريف الحسني ،ببادية حاسي بحبح ، قرب مدينة الجلفة ، في شمال الصحراء ، جنوب الجزائر عام 1823م.

نشأته : 

نشأ في أسرة كريمة ،متمسكة بالدين ، محافظة ،ملتزمة ،معروفة بخدمة العلم وأهله ، مشهورة بفعل الخير ، متواضعة ،خافضة الجناح للخلق ، عرف أفرادها ، بالخلق الكريم ،والسخاء ،والشجاعة ،وبالاستعداد للنبوغ في العلم والتفوق. وكان جده الثاني الشيخ محمد بن عبد الرحيم من العلماء الصالحين في زمانه.

تعلمه :
 
حفظ القرآن العظيم ، وتعلم شيئاً من مقدمات اللغة العربية ،في صغر سنه ، عند عمومته النازلين بالحامدية ، ثم انتقل إلي زاوية الشيخ سيدي علي الطيار ،ناحية البيبان ،فأقام بها سنتين ،فحصل بها ماشاء الله أن يحصل ،وعاد منها سنة 1837م ، ليلتحق بزاوية سيدي السعيد ،بن أبي داوود ،بزواوة ،قرب أقبوا ،وكانت هي المركز المرتاد، لطلاب العلم الراغبين في التحصيل ، فمكث بهذه الزاوية ، مدة من الزمن ،واجتهد في تحصيل العلوم الدينية ، اصولاً وفروع .......

لازم حفيد الشيخ العلامة أحمد بن أبي داوود ،حتى تخرج عنه ،وأخذ اجازاته منه ،في المذهب المالكي فقهاً ، وقضاء ، وفي العقيدة الأشعرية ، وفي تصوف الإمام جنيد على الطريقة الرحمانية ،وقد برع في فنون النحو والصرف ،والبلاغة ، والمنطق ،والعقيدة والكلام ،والفقه وأصوله ، وعلم الحديث رواية ودراية ،وعلوم القرآن ، والتصوف ، والفلك ...... ،وكان ذا مواهب عظيمة لاتكون إلا لمن خصهم الله بعنايته من علماء الإسلام.

تأسيس الزاوية :

في ببداية سنة 1261 هـ ،عاد الأستاذ الشيخ ،إلى أهله ببلدة الهامل، وما إن وصل إلى أهله ،حتى جاءته مجموعة من مشايخ المنطقة ، يعرضون عليه أن يجلس في المسجد العتيق للتدريس ،فلم يمانع ولكنه اشترط أن يحصل على الإذن بذلك من شيخه سيدي أحمد بن أبي داود ، ولأن من عرضوا عليه الجلوس ،يعرفون قيمة هذا الإذن فقد امتثلوا لذلك ،وأرسلوا وفدا من أربعة أشخاص ،من نقباء البلدة ، إلى شيخه، الذي لم يتردد في مكاتبة تلميذه ،يستحثه على الجلوس للتدريس ،ويحبب إليه هذا العمل ،ويذكره أنه مسؤول على تعليم ما تعلم، كما بعث إليه بإجازته العامة ، التي تخول له أن يعلم كل ما تلقاه ، عن هذا الشيخ.

لقد تجشم هؤلاء الجماعة ، مصاعب الطريق ومتاعبها ، واحتملوا تصعب السفر ونصبه ،من أجل أن يوفروا لأبنائهم ،من يقوم على تعليمهم مبادئ دينهم، لأنهم يدركون أن هذا الجهد الذي يبذلونه لن يذهب سدى، ولعلهم يعرفون بفراسة المؤمن أن هذا الفتى سيكون له شأن وأي شأن. ولقد عاش منهم من رأى جموع الطلاب يتوافدون على زاويته من كل حدب وصوب.

تحدث الأستاذ في سيرته الذاتية عن هذه الفترة فقال:

"... وبعد خمس سنين، قدمت لبلدي ؛ قرية الهامل سنة 1261 هـ فأقمت بها ثماني سنين، لتعليم الناس الفقه وغيره، بزاوية القرية المعلومة؛ المسماة الجامع الفوقاني ، فلم أفارق الجامع ،ليلا ولا نهارا ،إلى تمام سنة 1272 هـ. "
طبقت شهرة الزاوية الأفاق, وأمها الطلبة ،والزوار ،من كل جهات الوطن, من مناطق المدية, بوغار, تيارت, شرشال, سطيف, الجلفة, مناطق المسيلة, المعاضيد, الضلعة, ونوغة وكل أنحاء الجنوب الجزائري.

وتوافد على الزاوية ،العلماء ،والأساتذة ،من جميع الجهات وتحولت الهامل ، وزاويتها ، إلى منتدى ثقافي أصيل ،ومعلم ديني مشهور, وبلغ المعهد شأنا عظيما وفي هذا يقول الأستاذ محمد علي دبوز: "إن عظمة هذا المعهد كانت بعظمة مؤسسه فعبقريته العلمية, شخصيته القوية, وإخلاصه، وبراعته ،وحكمته ،هي التي جعلت المعهد الهاملي ،يطلع طلوع الشمس ،قوية زاهرة. فأشتهر سريعا. وبعد أن كانت قرية الهامل ،تضم مدرستين قرآنيتين ،وبعض الكتاتيب الصغيرة ،عند بداية الاحتلال صارت مركز إشعاع علمي وديني عظيم, ومعلما نيرا.

بعد تأسيس محمد بن أبي القاسم ،الزاوية ، والمعهد بها أصبح هذا الأخير مركزا هاما في المنطقة ارتاده في الفترة الممتدة بين 1883ـ1885 ما بين 200الى ـ300 طالب سنويا ،يدرسهم أستاذة ،مجازون ،مهرة بلغ ،عددهم في نفس الفترة 12 أستاذا في جميع المعارف والعلوم.

وها هو المستشرق جاك بيرك ،يقول في رسالة وجهها إلى شيخ زاوية الهامل سنة 1965 ، "فيما يتعلق بي أن تاريخ زاوية الهامل يهم تاريخ المغرب العربي بأسره... وذلك لأنه في نفس هذا التاريخ بالذات ظهرت أيضا في المشرق البعيد بوادر النهضة وخصوصا في بيروت, هل هناك روابط أدبية وثقافية بين معهدكم وبين المدارس الأخرى في الشرق أو الغرب فيما عدا الرحلات الناتجة عن السفر والحج ؟...)
ونذكر أن أعداد الطلاب ما قبل الثورة اختلفت ،وتراوحت بين أعداد معتبرة وأعداد متوسطة من 600 إلى 800 طالب.
والعدد المتوسط يتفاوت بين حقبة وأخرى وهذا خاضع للظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المناطق التي عادة ما يكون منها طلبة الزاوية والتي لها دخل في التأثير على هذا العدد صعودا ونزولا.

المصدر

  • موقع مركز القاسمي للدراسات والابحاث الصوفية الهامل - نسخة مؤرشفة