الأربعاء، 15 أبريل 2015

العلامة الشيخ عبد الرحمن الأخضري (رضي الله عنه) ( 920 - 954 هـجري / 1512 - 1545 ميلادي )

العلامة الشيخ عبد الرحمن الأخضري (رضي الله عنه)
( 920 - 954 هـجري / 1512 - 1545 ميلادي )


 
 


من هو العلامة الأخضري :

الشيخ عبد الرحمن الأخضري ،بن محمد الصغير ، بن محمد ، بن عامر ،الأخضري البنطيوسي ،البسكري ، الجزائري المالكي ، الأشعري ، الجنيدي ،كان عالماً عاملاً ، وتقياً ورعاً ،وعابداً متبتلاً ، متين التدين ، زاهداً عن الدنيا ،تام العقل مهاب الهيئة ، حسن العشرة ،قنوعٌ باليسير لا يخاف في الله لومة لائم وقد أعرض عن الفتيا حين اختلاف الكلمة ،قضى معظم حياته في خدمة العلم وأهله ،لقب بفارس المعقول والمنقول ،وهو من أبرز علماء الجزائر في القرن العاشر الهجري ، لقد أطبقت شهرته الآفاق وغدت تأليفه تدرس في شتى حواضر العلم والمعرفة ،من بغداد ،إلى الأزهر بالقاهرة ، إلى الزيتونة بتونس ،الى جامع القرويين بفاس ،الى المدينة المنورة .... ،آخر محطاته كانت منطقة قجال ،تفرغ للتدريس بجامعها العتيق ، الكائن في منطقة ڤجال التابعة لولاية سطيف الجزائرية ،والتي تقع جنوب شرق مدينة سطيف ،كانت له خلوة يتعبد بها في مقبرة ڤجال قرب ضريح ،الشريف مسعود الڤجالي الحسني ،توفي في منطقة ڤجال ونقل جثمانه الطاهر الى منطقة بنطيوس الموجودة بولاية بسكرة والتي تقع جنوب شرق الجزائر ، ودفن بها ،له مؤلفات عديدة والكثير منها مخطوط لم يطبع بعد

المولد والنشأة :

- ولد الشيخ عبد الرحمن الأخضري (رضي الله عنه) سنة (920 هـ/ 1512 م) ببلدة بنطيوس التي تبعد عن بسكرة بحوالي ( 30 كم) في عائلة مؤمنة ،ملتزمة ،عرفت بالعلم والورع والتقوى ،والده العالم المدرس محمد الصغير وأخوه الأكبر أحمد الأخضري ،كان عالما ومدرسا أيضا ،أخذ عن كليهما الفقه ،وعلوم اللغة العربية ،وعلم المواريث ،بعد أن حفظ القرآن العظيم ،وأتقن رسمه وتلاوته ،انتقل الى منطقة قسنطينة فواصل دراسته هناك ،بعدها هاجر الى تونس فدرس بڤفصة ثم جامع الزيتونة بتونس العاصمة .

التعليم :

بدأ التعلم بمسقط رأسه بنطيوس فتعلم القراءة والكتابة ،وحفظ القرآن العظيم ،وأتقن رسمه وتلاوته ،وأخذ عن والده الشيخ محمد الصغير (رضي الله عنه) وعن أخيه الشيخ أحمد الأخضري (رحمه الله) علم الفقه ،وعلوم اللغة العربية ،وعلم المواريث ، انتقل الى منطقة قسنطينة فواصل دراسته هناك ، بعدها هاجر الى تونس فدرس بڤفصة ،ثم جامع الزيتونة بتونس العاصمة ،تعلم على أبي يحيى بن عقبة ، وعلى أبي عبد الله القلجاني ،ثم عن ولده عمر القلجاني وكذلك عن قاسم العقباني ...أكمل دارسته في علوم اللغة العربية كما درس علم المنطق ودرس الفقه واصوله والكلام والحديث والتفسير ودرس علم الحساب ،تفوق في دراسته وحصل على اجازات في التدريس والفتيا .

التدريس :

رجع الى وطنه الجزائر وشرع في التدريس ،فزكاة العلم نشره ، آخر محطاته كانت ڤجال ،حيث حط الرحال بها ومكث بجامعها العتيق ،الذي يعرف اليوم بزاوية ڤجال أو زاوية بن حمادوش ، درس هناك الى أن وافته المنية .

الشيخ عبد الرحمان الأخضري ،و زاوية قجال :

إن تردد الشيخ عبد الرحمن الأخضري (رحمه الله) على زاوية قجال ،لم يكن ، لولا هذه العلاقة الروحية والعلمية التي كانت تربطه بالمكان وأهله ،مما يؤكد على المكانة الكبيرة التي كانت تحظى بها هذه القرية الصغيرة ،بحجمها الكبير ، بقداستها الروحية والعلمية ،عند العلماء ،وسائر من تعلم فيها ،أو زارها ، أو عرف أهلها ، وفي الأمثال العامية التي كثيرا ما تتردد على ألسنة أهل قجال ما يؤكد ذلك ، يقول المثل : " قجال ما يخلى والعلم ما يخطيه " ويعكس بعض جهلة زماننا المثل فيقولون : "قجال ما يعمر والذل ما يخطيه "

عبادته :

نُقِل عن شيوخ زاوية قجال وعلمائها ، ومنهم الشيخ القريشي مدني (رحمه الله) ،كذلك نقل عن الشيخ الزبير بن حمادوش (حفظه الله) وهو من كبار شيوخ الطريقة الرحمانية في منطقة سطيف : أن الشيخ عبد الرحمن الأخضري (رضي الله عنه) ، كان عالما عاملا ،وتقيا ورعا وعابدا صوفيا ، يقضي نهاره في التدريس ،فإذا ما أقبل الليل أوى إلى " خلوته " التي تقع بالقرب من مقام سيدي مسعود الإدريسي الحسني القجالي (رضي الله عنه) ، يتعبد ،ويتحنث ،ويصلي أغلب الليل ،وقبل الفجر يعود إلى المسجد ،ليستأنف نشاطه اليومي في التدريس أو التأليف ، وقد تناقل طلبة جامع قجال ،خلفهم عن سالفهم أبياتا شعرية قيل أنها وجدت مكتوبة في كفن الشيخ عبد الرحمن الأخضري (قدس الله سره) ، وهي كما يلي منقولة عن الأستاذ عبد المجيد حمادوش كان قد سجلها له الشيخ القريشي مدني بخطه في كناشة خاصة :

والرواية لأحد شيوخ زاوية قجال

و يا رب فأكرمه بعفوك ليلــــــــة ... ويروح بها ضيفا لقبره منزلا
فأنت الذي أوجبت للضيف حرمــــة ... وأكدت عليه بالمواساة عاجلا
فهذا بضيف الخلق ،كيف بضيفــــك ... فأكرمه نزلا عند وقف الرواحل
وحين انقضاض الناس للحي راجعا ... وبسط راح الكف للّحد عاجــلا
بجاه النبي الهاشمي محمـــــد ... عليه صلاة الله مني موصــلا

مختارات من شعر العلامة الأخضري (رضي الله عنه) :
من شعره الجيِّد و هي رائعة في الحقيقة ،في مدح الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله سلم) في 169بيتا ، جاء فيها :

الحمد لله طولَ الدّهر و العُمرِ---- ثم الصّلاة على المختار من مُضَرِ
يا ثاقب النور ما أسناك من قمرٍ---- هل اّطلعت على ارضٍ بها وطري
الفيتَ صبَّ الهوى يوما بعلّته----جهلا بحُبٍّ لما في الجهل من ضررِ
يا سايح الطرف ما للطّرف سابحةٌ----تغدو البطاحَ و لا تشكو من الضّجر
قَلا الصَّبابةُ لي و العين قد فصلت---- --و ما وجدت لهذا العين من أثر
اني ابيت من الاشواق في كمد----و ما سئمت من التخميم و السهر
فليس مثلي من السُّهارِ من أحد-----كيف السآمة للعشاق من سهر
قد هب ريح الصَّبَا و القلب منه حدى----و عاد حال الصِّبَا في المهد من صغر
قف يا حمامُ على رُبعٍ شغفت به---- واحمل سلامي إلى الحبيب و اختبر
جاش الحمامُ خلال الدار محتفلا---- و خالف القلب في أشواقه النكر
لما رأيت حمام الدار سَطَحَهُ---- شوق التلاقي إلى الاوطان و الوكر
تضرم القلب من اشواقه كمدا---- و عدت مثل تريف العقل من سكر
غنّى حمامُ الهوى بالشوق مظطربا---- فأضرم القلبَ نارُ الوجد بالسحَرِِ
فالقلب مظطرم و الروح نائحة---- و البث يؤلمني فلحزن كالابر
و النفس مني لذيذُ العيش فارقها---- و اسلمت نومَها العينانُ في السهر
اشتد حالي فما دائي بمنكشِفٍ---- و لا سمعت عن المحبوب من خبر
و العين مني قد انهملّت مدامعُها---- جوفَ الدُّجى لِتريقَ الدمع كالمطر
يا عاذلَ الصَّب انَّ الحبّ قاهره----كيف الحبيب سرى في السَّمع و البَصَرِ
انّ الصَّبابة لا تخفى غوائلها----و امرها من قديم الدّهر و العَصْر
و كم محِّبٍ قديم الشوق جرَعَهُ----كأس الحِمامَ فما للعُمرِ ذا بَطَر
و القلب مني بنار الشوقِ مشتعلٌ---- ما زالَ قلبٌ شديد الحُزنِ منكسرِ
واهتزّتِ الرّوحُُ بالأشواق واظطربتْ---- واثَّرَالحُبُّ فيها أيّمَا أَثَرِ
ان قلت ايّ حبيبٍ قد شغفتَ به----أقول هذا حبيب الله في البشر
محمدٌ خيرُ منْ يمشي على قدمٍ---- خيرُ الوَرَى سيِّدُ الأملاكِ و النُّدُرِ
هذا محمدٌ المخصوصُ بالشّرَفِ---- من جاء بالرّوحِ و التوسيعِ و البِشْرِ
هذا المقرّبُ هذا المستغاثُ به----هذا شفيع الورى في الموقِفِ النّكِِرِ
هذا رسول كريمٌٌ ما له كفؤٌ---------
أزكى الخليقة ذو جيدٍ و مبتسمٍٍ---- أصفى من الذّهب الإبريز و الدّرر
يزهو بوجه كريم البِسْطِ مبتهجٌ----بالعفو ملتحفُ كالبدر منسفـرِ
متوّج برداء العز مكتَنفٌ------- بالحسن متّصف ٌأسنى من القمر
هو النّبيّ الذي جلّت محاسنه------و ما لبهجته مثل من الصـور
أكْرِمْ بآيةٍ ما أبدت أناملُه------من خيرِ ماءٍ لذيذِ الطَّعمِ مُنهَمِر
و الإنشقاقُ لهذا البدرِ منزِلةً-------على الكواكب ما أسناه من قمرِ
تأسَّف الجِذعُ إنكارًا لفُرقَتِه-------و حنَّ مثلَ حنِينِ الطَّرْفِ و الجزر
و آية الغار لا تخفى عجائبها-------لمَّا اقتفاهُ رِجَالُ الكُفْرِ في نَفرِ
و العنكبوتُ ببابِ الغارِ قد نسَجَت-------و في الحمامةِ آيةٌ لمعتَبِرِ
لما رأى خيفة الصديق قال له ------- الله معنا فلا تخشى من الضرر
و كم تمنى أبو بكر يرافقه -------- قد نال و الله ما يرجوه من وطر
يا فوزه قد حوى في الخلد منزلة ------- مع الرسول بدار البسط و السرر

مؤلفاته :

ألف الشيخ العلامة (الأخضري) في شتى المعارف العقلية منها والنقلية ،فقد ترك أثراً في علوم الشريعة ،والحقيقة ،والرياضيات ، والفلك ، وعلم المنطق ، وعلوم اللغة العربية .... ومن أشهر مؤلفاته: - السلم في المنطق ،الذي ترجمه المستشرق الفرنسي لوسيان ، سنة 1921 ميلادي وقد عده من أعظم الكتب العالمية

ومن مؤلفاته :

• مختصر الأخضري في العبادات، على مذهب الإمام مالك
• نظم الجواهر المكنون في ثلاثة فنون :في علم البلاغة والبيان و البديع
• حلية اللب المصون على الجواهر المكنون.
• منظومة الدرة البيضاء في الفرائض والحساب.
• أرجوزة. الدرة البيضاء في أحسن الفنون والأشياء.
• نظم السلم المرونق في المنطق .
• شرح السلم المرونق المذكور.
• نظم السراج في علم الفلك
• نظم منثور ابن آجروم الدرر البهية على نظم الاجرومية
• نظم أزهر المطالب في هيئة الافلاك و الكواكب في علم الاسطرلاب
• قصيدة مدح النبي خالد بن سنان
• شعرالقدسية و اللامية في التصوف

• قصيدة نصيحة الشبان جاء فيها:
أُوصيكُم معاشرَ الشُبان *** عيكم بطاعة الرحمان
اياكم ان تُهمِلوا أوقاتَكم .... فتَندمُوا يومًا على ما فاتَكُم
انما غانمة الإنسان شبابه.... و الخسر في التوان
و ما أحسن الطاعة للشُبان ....فاسعو بذكرِ الله ياخوان
و عمِّروا أوقاتَكم بالطاعة.... و الذِّكر كلَّ لحظةٍ و ساعة
ومن تَفتُه لحظةٌ في عمرهِ.... تكونُ عليه حسرةً في قبرِهِ
من يكن فرط في شبابه ... حتى مضى عجبت من تبابه
ويا سعادة امرئ قضاه .... في عمل يرضى به مولاه
أحب ربي طاعة الشباب .... يا فوزهم بجنة الرضوان
فتب إلى مولاك يا إنسان .... من قبل أن يفوتك الأوان
ومن يقل إني صغير أصبر .... ثم أطيع الله حين أكبر
فإن ذاك غره إبليس .... وقلبه مغلق مطموس
لا خير فيمن لم يتب صغيرا .... ولم يكن بعيبه بصيرا
لما رأى خيفة الصديق قال له .... الله معنا فلا تخشى من الضرر

وفاته ومدفنه :

توفي الشيخ عبد الرحمن الأخضري بقرية قجال وقد اختُلِف في تاريخ وفاته فمن قائل أنه توفي في(954هـجري/1545 ميلادي) ومن قائل أنه توفي في (983هـجري/1575ميلادي) فعلى الرأي الأول يكون قد عاش ثلاثا وثلاثين سنة وهو المرجح عند أغلب المراجع التي ترجمت للشيخ الأخضري (رحمه الله) وما زال أهل قجال إلى اليوم يتناقلون كرامة من كرمات الشيخ عبد الرحمن الأخضري ظهرت عند تشييع جثمانه من قبل طلبته الذين حملوا جثمان شيخهم على أكتافهم وتوجهوا به إلى موطنه ومسقط رأسه بالقرب من بسكرة لدفنه هناك تنفيذا لوصيته , فعند وصولهم إلى الحامة بوطالب أصابهم إعياء شديد فطلب بعضهم بدفنه حيث وصل بهم المسير والرجوع إلى قجال فرفض الطلبة الذين كانوا يتميزون بتعلقهم الشديد بشيخهم وإصرارهم على تنفيذ وصيته فقرروا مواصلة الرحلة إلى نهايتها ،فما الذي حدث بعد ذلك ؟ تقول الرواية : أما الفريق الأول من الطلبة فقفلوا راجعين إلى قجال ، وأما الفريق الثاني فحملوا الجثمان الطاهر وساروا به فطوى الله تبارك وتعالى ،لهم الأرض طيا ، حيث تمكنوا من تنفيذ وصية شيخهم ودفنه في بنطيوس والرجوع إلى قجال ؛فكان وصولهم قبل وصول الفريق الأول .



هناك تعليق واحد:

  1. رحم الله العالم العظيم الشاعر عبد الرحمن الاخضري
    اتمنى ان تفيدوني بالمزيد عن ما تركه من آثار

    ردحذف